حقيقة أحاول النوم، لكن دون جدوى.. صورة الأستاذ السجين خلف القضبان لا تكاد تفارق مخيلتي، أتخيل أن أكون في يوم من الأيام ضحية افتراء، أو حتى زلة قد أقترفها في لحظة غضب وأنا التي تحترق أعصابها حين تجد شتى المظاهر اللاتربوية واللأخلاقية تنمو كالفطر في صفوف التلاميذ، وأنا التي تتمنى أن ترتقي بالمستوى المعرفي والتربوي لأبنائها فتعمل وتعمل ولكن لا تجد الأثر الطيب الذي يوازي مجهوداتها، مثلي مثل آلاف الأطر التربوية التي تعمل في صمت غير مبالية بالإكراهات المحيطة بها.. نحن نعمل في جحيم لا يطاق من فئات افتقدت الكثير من مقومات الإنسان المعتدل، ورغم ذلك نقاوم ونسبح ضد التيار، نقسو حينا ونلين أحيانا، نحن بشر ولسنا آلات مبرمجة، نحاول أن نكون على درجة عليا من الصبر والانضباط والتحمل، لكن كثرة الضغط قد تولد الانفجار.. فعلى الطرف الآخر أن يحتوي انفجار الأستاذ وزلته كما يحتوي الأستاذ كوارث إنسانية تفد عليه من أسر شتى!!
لا أدري إلى متى ستظل العيون كليلة عن جهود الأساتذة، متربصة بهفواتهم وزلاتهم؟! إلى متى سيظل الأستاذ متهما في أعين الجميع؟! إلى متى أخطاء الأساتذة يتم تجريمها وتضخيمها، وجرائم الموظفين الآخرين ونجوم الصحافة الصفراء يتم التغاضي عنها أو التهوين من شأنها..؟!
مهما بلغت قسوة المعلم فهي لا تعني أنه يكره تلميذه، أو يعتبره عدوا له، بل لن تجد أحدا حريصا على مصلحة التلميذ غير معلمه الذي يسهر على تربيته وتنشئته وتقويم سلوكه وتزويده بشتى المهارات الحياتية..
والله أمر يثير المواجع حين تجد عصا القانون معبأة بكل قسوة لجلد المعلم دون اعتبار لما قدمه من تضحيات، حين تجد المجتمع مهيأ بكل قوة للتنكيل به دون شفقة ورحمة..
اعتدنا في مهنتنا على لامبالاة وزارتنا بأطرها، على نفاق النقابات في الدفاع عن موظفيها، على المجتمع في سخريته من هذا الكائن الضعيف المستضعف، كل هذا صار معلوما بالضرورة.. لذا فالواجب علينا أن نعيد تصحيح النية في عملنا وفي رسالتنا، لسنا موظفين عند الدولة وإن كنا نتقاضى رواتب مقزمة منها، لسنا تابعين لأي نقابة خنوعة متخاذلة.. لكن عملنا الأساس مع الله الذي اصطفانا لأداء مهمة هي أشرف المهن، اصطفانا لأداء مهمة الإصلاح، وهي مهمة أهلها معرضون دوما للابتلاء، ومن نعمل لأجله هو من سيدافع عنا (إن الله يدافع عن الذين آمنوا).. فأملنا في الله أن يمدنا بعون من عنده حتى نستطيع الجمع بين أداء مهمتنا بإتقان والصبر على الظلم الذي يحيط بنا.. وأن يعجل بفرج قريب لأستاذ تارودانت.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.