مآلات القدس بعد سياسات التطبيع عبد الصمد إيشن

مباشرة بعدما أعلن ترامب، قرار نقل سفارة بلده إلى القدس، إعترافا بالقدس عاصمة لإسرائيل، قررت إسرائيل إتباع سياسات ستحدد معالم قضية القدس بشكل مباشر. وفي مقدمة هذه السياسات، توسيع الاستيطان، حيث بدأت إسرائيل بالتصريح لعشرات الآلاف من المستوطنات، ثم الضم المتدرج والرسمي للضفة الغربية من مناطق (أ) الى (ج) الفلسطينيتين. والسياسة الثانية هي تقديم سلسلة من مشاريع القوانين التي تمهد لتطبيق القانون الإسرائيلي على أراضي الممستوطنات، وهو ما يعني من المنظور القانوني أن تلك المستوطنات هي جزء من الأراضي الإسرائيلية. أما السياسة الثالثة هي تصديق قانون القومية، ينص على قومية إسرائيل وينزع الاعتراف باللغة العربية بصفتها لغة رسمية، ويمنع الفلسطينيين من الإقامة في بلداتهم، والسياسة الرابعة هي سياسة تهويد القدس مع طرد المقدسيين بإقرار قانون سحب الإقامة الدائمة من المقدسيين، وهي سياسة قديمة ولكن بقوانين جديدة، فقد ألغت إسرائيل إقامة ما يقارب 14 ألف مقدسي من القدس، وبالتأكيد هدفها الرئيس طردهم جميعا من القدس، بالإضافة إلى مصادرة 37% من أراضي شرقي القدس.

أما مع موجة التطبيع الأخيرة لبعض الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي، سواء اتفاق الإمارات والبحرين مع إسرائيل في 15 شتنبر المنصرم، أو إتفاق التطبيع الذي وقعته السودان وإسرائيل هذا الشهر، سيتطور مسلسل الأحداث بشكل أكيد في القدس، لأن الكيان الإسرائيلي حسب مراقبين، يجد سنده في هذه الدول العربية لمزيد من التركيع في حق الشعب الفلسطيني والقدس والمقدسيين بصفة خاصة. إذ سيصبح النضال اليومي للمقدسيين ورباطهم بالقدس الشريف،حفظا لإسلامية هذه المدينة وعروبتها، عملا إرهابيا لا بإعتراف إسرائيل فقط، بل بإعتراف الدول المطبِّعة، لأننا نجد ضمن بنود الإتفاقات الموقعة بين إسرائيل والدول العربية المطبعة، منع كل الأنشطة الإرهابية التي تهدد إسرائيل، والعمل على مكافحة هذا الإرهاب. إذن بكل وضوح: المقدسي المرابط والمجاهد والمناضل بالقدس الشريف هو في إرهابي قانونا لدى إسرائيل وإخوانه العرب أيضا، في الإمارات والبحرين والسودان. ويا أسفاه.

بعد موجة التطبيع الأخيرة، سيصبح النضال اليومي للمقدسيين ورباطهم بالقدس الشريف، حفظا لإسلامية هذه المدينة وعروبتها، عملا إرهابيا لا بإعتراف إسرائيل فقط، بل بإعتراف الدول المطبِّعة.

 

مستقبل القدس بعد مسلسل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، لا يحتاج كثيرا من الجهد لإكتشافه، فخطوات التطبيع الأخيرة التي دخلت فيها الإمارات والبحرين والسودان، هي إتفاقات تطبيع مع أية دولة؟ الجواب، بكل بساطة، هي إتفاقات تطبيع وقعتها مع دولة إسرائيل التي اتخذت من القدس عاصمة لها، كما نصت على ذلك بنود “صفقة القرن المشؤومة”. إذن هي سياسات تطبيع تنتزع القدس انتزاعا من أيدي الفلسطينيين ذوي الحق الأصلي في القدس عاصمة لدولة فلسطين بحدود 67، ووضعها في أيدي إسرائيل المحتلة، في واضحة النهار. إذن صنعت الدول المطبعة السلام لإسرائيل والنار للقدس وفلسطين.

لكن الخطير في الأمر بعد إتمام اتفاق التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ودخوله حيز التنفيذ، من حيث إجراءات سفر مواطني تلك الدول، بدأت تظهر سيناريوهات جديدة تمس المسجد الأقصى المبارك، والوجود الأردني والفلسطيني فيه.

وسارع العديد من الإماراتيين إلى زيارة المسجد الأقصى على شكل وفود، وسط التصدي لهم من قبل العديد من المقدسيين وحراس المسجد الذين يتبعون للأردن، وهو ما دفع عدداً من الإسرائيليين والسعوديين إلى استغلال تلك الأحداث للدعوة لإنهاء السيادة الأردنية والفلسطينية على الأقصى.

وبثت مجموعة من المستوطنين المتطرفين، على صفحات ما تسمى منظمات “الهيكل المزعوم” على شبكات التواصل الاجتماعي، منشورات مسجلة بالأقصى تطالب بطرد دائرة الأوقاف الإسلامية وموظفيها من المسجد الأقصى.

وإلى جانب ذلك، يطرح الإسرائيليون أفكاراً جديدة حول الوضع الجديد في المسجد الأقصى بظل التوقعات بتدفق الإماراتيين إلى زيارته، ومن أبرزها إيجاد مرجعيات عربية وإسلامية لإدارته، مع الإشارة إلى السعودية، وهو ما يهدد الوصاية الأردنية على المقدسات.

والوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس بدأت عام 1924، تزامناً مع نهاية الخلافة العثمانية، وفي عام 1988 قرر ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال، فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية، باستثناء الأماكن المقدسة في القدس والتي بقيت تحت الوصاية الأردنية، بطلب من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي أعلن قيام دولة فلسطين في العام ذاته.

وفي تاريخ 31 مارس 2013، وقَّع الملك الحالي عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقية تاريخية، أعاد فيها “أبو مازن” تأكيد أن العاهل الأردني هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة بالقدس الشريف، وله الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها، خصوصاً المسجد الأقصى، المعروف في هذه الاتفاقية بأنه الحرم القدسي الشريف بالكامل.

وأمام التحركات الجديدة في الأقصى، سارع رئيس الهـيئة الإسلامية العليا في القدس، الشـيخ عكرمة صبري، إلى التأكيد أن الزيارات التطبيعية للمسجد الأقصى لا تقل خطورة عـن اقتـحام المستوطنين للمسجد والمدينة المقدسة.

صبري أكد، في بيان له نشره الخميس (22 أكتوبر الجاري)، أن الزيارات الأخيرة لبعض المطبعين لمدينة القدس المحتلة هي نتيجة واضحة لجريمة التطبيع وأحد إفرازاتها ومخرجاتها العاجلة.

وحول الحديث عن إيجاد تغيير في الواقع داخل الأقصى مع زيارات الوفد، شدد صبري على أن استجلاب الوفود التطبيعية لم يغير من واقع مدينة القدس، ولن يمنح الاحتلال أي شرعية باحتلاله مدينة القدس والمسجد الأقصى.

وقال صبري: إن “الزيارات التطبيعية مرفوضة جملة وتفصيلاً وعلى كافة الأنظمة أن ترجع إلى صوابها وتعود للرواية الإسلامية عن المسجد الأقصى لا الرواية اليهودية”.

مدير مركز القدس الدولي حسن خاطر أكد أن الزيارات التطبيعية للأقصى في الوقت الحالي تعد قضية حساسة، وستكون نقطة في التحديات التي يواجهها المسجد الأقصى المبارك، لكونه يأتي من أبواب غير متوقعة، وسيكون له تأثيرات وأصداء وتفاعلات في الفترة القادمة خطيرة.

وتوجد سيناريوهات متوقعة مع تلك الزيارات، وفق حديث خاطر لـ”الخليج أونلاين”، حيث إن “هناك تخوفاً من فتنة متداولة يتم إعدادها في المسجد الأقصى والقدس بشكل عام؛ لأن تلك الزيارات تأتي بدون ضوابط وتحت الحماية الإسرائيلية، وتدخل من الباب الذي يقتحم به المستوطنون المسجد الأقصى.”

وتأتي تلك الزيارات، حسب خاطر، “كثمرة للاتفاقيات السياسية الأخيرة لدول التطبيع، لذا الأمور بها خطورة جداً، وبدأ المقدسيون يواجهونها، ولكن تلك المواجهة لن تستمر بهذا الشكل”.

“ومع تلك الوفود التطبيعية التي تصل الأقصى أصبح هناك مال مسيس بدأ يدخل للقدس، حيث سيكون هناك أصوات ستطالب بدخول المطبعين إلى الأقصى؛ وذلك بفضل المال المسيس من الإمارات و البحرين، الذي ساهم بتدمير اليمن، وسوريا، وليبيا”، والحديث لخاطر.

ويستدرك بالقول: “هناك أكثر من 40 مؤسسة مقدسية تلقت أموالاً من بعض الدول المطبعة، ووزعت مساعدات على تجار في مدينة القدس، وهي أموال بدأت فجأة تظهر، وتضع علامات استفهام، وهدفها خلق مبرر لإيجاد واقع جديد في الأقصى والقدس”.

وسيحدث المال المسيس، كما يحذر خاطر، شرخاً في الموقف الوطني المقدسي، وهو من الأهداف المقصودة، حيث بدأت تظهر بعض التصريحات التي تنادي بالسماح للمطبعين بزيارة الأقصى دون أي عوائق.

ويتوقع الاحتلال، وفق حديث خاطر لـ”الخليج أونلاين”، أن يصل ربع مليون إماراتي إلى المسجد الأقصى، و”لكن هذه الأرقام إن وصلت بدون ضوابط فيمكن أن تحدث فوضى كبيرة داخل الأقصى، لذا سيعمل الاحتلال على استغلال ذلك للسيطرة عليه بشكل كامل لإنهاء دور الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن”.

من وجهة نظري الخاصة، مستقبل القدس، سيكون لصالح المقدسيين ولصالح الفلسطينيين لترجع لهم دولة فلسطين بكامل حدودها وبعاصمتها القدس، لأن صفقة القرن وتطبيع الخونة قد أزال وهم حل الدولتين، وأعاد الصراع إلى أصله بين المشروع الاستيطاني العنصري والحق والمبدأ الفلسطيني

 

في النهاية، من وجهة نظري الخاصة، إن مستقبل القدس، سيكون لصالح المقدسيين ولصالح الفلسطينيين لترجع لهم دولة فلسطين بكامل حدودها وبعاصمتها القدس. لأنه بموجب خطوات “إسرائيل” التصعيدية أصبح الكل الفلسطيني يعاني من التمييز العنصري “الإسرائيلي”، ومن أهم الدلائل على توحد الشعب ذلك شعار المتظاهرين في حيفا مؤخرا “حيفا وغزة دم واحد ومصير واحد”. إذ أن إعلان ترمب أزال وهم حل الدولتين، وأعاد الصراع إلى أصله بين المشروع الاستيطاني العنصري والحق والمبدأ الفلسطيني، وقضى القرار على إمكانية التسوية. وما يعضد كلامي هو موقف الفصائل الفلسطينية ذاتها التي اجتمعت لأول مرة منذ سنوات على بيان موحد، خلاصته، أن الحل للقضية الفلسطينية بيد الفلسطينيين وحدهم، لا بيد غيرهم. وبالتالي الوحدة الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني ضد إجراءات الإحتلال التي تستهدف القدس وكامل التراب الفلسطيني، هي الحل لتحرير القدس وفلسطين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *