ما السِّرّ وراء الحرب على الجمعيات الخيرية الإسلامية

المتتبع للإجراءات الأمريكية، ومن ثم الغربية، وما يفرض منها على بعض الحكومات العربية والإسلامية أن تتخذه حيال الجمعيات الخيرية الإسلامية؛ يكتشف للوهلة الأولى أن المسألة عميقة جداً واستراتيجية، وليست مجرد رد فعل طارئ سيأخذ مداه ثم يهدأ ويسكن، وأن الحرب على الجمعيات الخيرية الإسلامية هي حرب عالمية على الإسلام ديناً وحضارة وقيماً وسلوكاً وجهاداً.

وهل من المفيد هنا أن ننقل عن واحد من الباحثين وضع فرضية مبدئية وأدخلها في حاسبه الشخصي، وظل يرصد الأحداث وتصريحات السياسيين التي لها صلة بهذه الفرضية، وكان يدهش كيف أن الوقائع ظلت تؤيد فرضيته؛ لقد بنى هذه الفرضية في شكل هرم كتب على ثلثه الأعلى المقاومة، وعلى ثلثه الأوسط المؤسسات الخيرية والمؤسسات المالية، وعلى قاعدته القيم والمبادئ، وقد افترض أن الغارة على الإسلام في صراع الحضارات سوف يكون هدفها الأول المقاومة، وهدفها الأخير القيم والمبادئ، مروراً بالمؤسسات الخيرية والمالية.

وهل تلك الفرضية التي افترضها هذا الباحث من الدقة والذكاء بحيث تلخص المسألة كلها: حقيقتها، أهدافها، آلياتها؟

وقبل أن نسهب في شرح ذلك يجب أن نضع بعض الملاحظات حول الحرب الأمريكية والغربية على الجمعيات الخيرية. – فمن ناحية؛ فإن خطاب العولمة المزعوم وخطاب قادة الفكر والسياسيين في الغرب؛ بل حتى مشروعات ومبادرات الإصلاح المزعوم التي يتقدم بها الرؤساء والباحثون، ومراكز الأبحاث ودوائر وزارات الخارجية..الخ، وآخرها مبادرة الشرق الأوسط الكبير؛ كلها أكدت على ضرورة دعم ما يسمى بالمجتمع المدني – غير الحكومي – باعتباره إحدى ركائز “الديمقراطية” وأحد أهم بنود “الأجندة” العالمية حالياً، وبديهي أن من يدعم المجتمع المدني لا يمكن بأية حال من الأحوال أن يمنع هو هذا المجتمع المدني أو يصادر جمعيات خيرية هي إحدى خصائص هذا المجتمع المدني المزعوم، أو يدعو الحكومات العربية والإسلامية إلى بسط سيطرتها على تلك الجمعيات.. إنها مناقضة صارخة، وازدواج معايير واضح، وهذا يكشف حقيقة الأجندة الأمريكية الغربية بخصوص هذا المجتمع المدني المزعوم؛ فالمطلوب دعم الجمعيات والهيئات والمؤسسات غير الحكومية التي تعمل وفق “الأجندة” الغربية ، والتي تتلقى تمويلاً من الجهات الغربية، أي التي تعمل في إطار خدمة المشروع [الأمريكي – الصهيوني] بوعي أو بدون وعي؛ أما من يعمل مستقلاً في التمويل، مستقلاً في الأهداف، غير منضبط تماماً على نغمة المصالح الأمريكية فهو مرفوض ومتهم بالإرهاب، وسوف تصدر القرارات بمنعه ومصادرته وهكذا فإن الحرب الأمريكية الغربية على الجمعيات الأهلية الخيرية الإسلامية كشفت ضمن ما كشفت عن نفاق أمريكي وغربي واضح. – ليس المطلوب إذاً جمعيات تساعد الفقراء، أو تعين المحتاجين أو تحفر الآبار في إفريقيا وآسيا، أو تساعد ضحايا العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، أو تبني المساجد أو ترعى الأيتام؛ بل المطلوب جمعيات تهدم القيم عن طريق تحريض المرأة على الخروج على تعاليم الإسلام، أو التمهيد للقبول بإسرائيل بدعوى القبول بالآخر، أو الترويج للقيم الأمريكية بدعوى أنها قيم عالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *