سداد الممارسة العملية النبوية بين مكة والمدينة: فلنعد قراءة السيرة من جديد! محمد زاوي

 

“السيرة النبوية هي التفسير العملي للقرآن”، هكذا قال بعضهم. وهي كذلك، لأنها الوعاء الواقعي للمنهج العقدي والعملي الذي جاء به القرآن الكريم. فكيف كان الخطاب في مكة؟ وكيف جاء وفق شروط مخاطَبيها التاريخية؟ وكيف كان الخطاب في المدينة؟ وكيف وافق ما يطلبه المشروع المحمدي لنشر الدعوة وتوسيع نموذج الدولة العربية الإسلامية؟

لقد شكل القرآن بالنسبة لمخاطَبِيه المكيين مشروعهم التحريري، فكان ذلك في شروطهم التاريخية لا خارجها. كانوا مشتتين بين التصورات العقدية والآلهة الزائفة، فكان التوحيد مشروعهم التحريري لتحقيق الوحدة العقدية والسياسية معها. وكانوا حبيسي تفاوتهم الاجتماعي بين تجار مكة وسادتها من جهة، والموالي والعبيد والمستضعَفين من جهة أخرى. فكان القرآن سبيل هذه المجموعة الأخيرة إلى المطالبة بالعدل، ومن ثم إلى مواجهة الظلم والتمرد على الظالمين.

إن في تعذيب بلال بن رباح الحبشي من قبل أمية بن خلف، وفي تعنيف عبد الله بن مسعود قارئا للقرآن، وفيما ابتلي به آل ياسر… إلخ؛ إن في ذلك لدلالة على عظيم الأثر الذي خلفه القرآن في نفوس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم إلا أن انتفضوا انتفاضة سديدة.

فما سبب سداد تلك الانتفاضة؟ إن سبب سدادها الأول هو أن القرآن جاء موافقا لشروط مخاطَبِيه التاريخية، فيما يتجلى السبب الثاني في حكمة وعبقرية قائدها وسداده بالوحي (لم يهمل الوحي الشروط التاريخية لعرب مكة، وذلك هو جوهر أسباب النزول كعلم من علوم القرآن).

لقد انطلقت الدعوة الجديدة في مكة، وفي المدينة تعززت، وانطلاقا منها اتسعت رقعتها في الجغرافيا العربية، ثم في باقي الجغرافيات الأخرى، القريبة منها والبعيدة. ولولا أن الأسباب كانت معتبرة، ولولا أن الضرورات التاريخية كانت مقدرة أيضا؛ ما كان للنبي وصحبه أن يهاجروا، وما كانوا ليبحثوا لأنفسهم عن ملاذهم الآمن، بهدف:

– تحرير الممارسة الدعوية.

– تقييد العقائد والشعائر بمبادئ الوحي وضوابطه (أي بما يطلبه المشروع المحمدي من انضباط والتزام).

– تنظيم الأسرة.

– إنشاء الدولة.

– تدبير المعاش والموارد بالقسط.

– الاستعداد للغزو… إلخ.

وكل ذلك تحقق بفعل سداد الوحي والممارسة النبوية في الشرط التاريخي العربي في شرط المدينة، كما حدث في مكة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *