الإصلاح الفرنسي الإسلامي بالمغرب 1903م.. (حرية العقيدة) ذ.إدريس كرم

حرية العقيدة ثروة ثمينة مثل الحرية المادية؛
التسامح والمعاملة الحسنة والرأفة يجب أن يكون أساس موقفنا وتصرفنا تجاه الإسلام، ومع ذلك فإذا أردنا أن ننظر لهذا الدين بتعاطف ومودة، فعلينا أيضا متابعة التعبير الحيوي للسيد “بوتمي” المنظر اللائكي، وينتهي تسامحنا في النقطة التي سيبتدئ منها الإسلام في إسقاط وهزم الحضارة، هذا ما لا ينبغي -كما سبق لنا القول- تأييده بالموافقة على الطرد الأخير للأوربيين من فاس، القيام بذلك يعني أنه من أجل اختراق المغرب، يجب أولا المغادرة وذلك من أجل دعم عملية التحضر، يجب البدء بالأجانب، وفي المقابل لو كان حقا ما كتب بأن “السلطان اليوم يموت حبا في الأوربيين” لذلك سيكون التخلي عنه والمغادرة ولو من أجل هذا السبب وحده، سيكون من جهتنا غير منطقي وجبنا.
سلوكه تجاه أوربا منذ خمس أو ست سنوات لا يمكن إلا أن يزودنا بالأسباب التي تدفعنا لمساعدته بشكل نشيط.
سنعمل بجد أيضا للمطالبة بإلغاء بعض الإجراءات المهينة تجاه كل الديانات غير الإسلامية -وإن قيل بأنه قد أبطل إلا أننا ولم نعلم به كما سبق فعله في شرق المغرب- فإننا نعتقد أن القيام بذلك الاحتفاظ سيؤدي للمواجهة كما سبق شرحه، مع أن قدرة مواجهتنا للتدين المغربي سيكون غير متأتي ولا فعال.
تعاملنا مع كبار الأولياء وفقهاء المساجد والفقراء أتباع الطرق الصوفية، وبعثة لفرنسيسكان، وبعثة لبروتيستانت، ستنتج في الأخير عددا من المشاكل يصعب معالجتها والتي نكتفي بالقول بأنها أثارت انتباهنا من غير أن تدفعنا للمطالبة بالتدخل بشكل أعمق لحلها.
التعليم بدون شك من أقوى وسائل العمل في يد الحكومات، لكن من الصعب التعامل معه، أكثر المشاكل إثارة للاهتمام ستحدث حول هذا الموضوع في المغرب، فمن الممكن إنشاء تعليم ابتدائي فرنسي مغربي في هذا البلد، ويبدو لنا أن المدرسة الفرنسية الإسلامية التي تم إنشاؤها في طنجة، نعتقد أنه من الضروري أن تكون نموذجا ومثلا يحتذى، ونقطة نحاول من خلالها إحياء جامعة فاس.
هذا ليس مستحيلا بأي حال من الأحوال، لكن ما هو الحذر اللازم هنا، وكم من الدراسة الأولية التي لا غنى عنها للمشكلة، ما يزال هناك بفاس أنوية لمكتبات، وصحافة عربية وربما تكون هذه الوسائل من أضمن وأسهل وسائل التأثير على عقول الطبقات المثقفة من الآن فصاعدا سيكون هناك اهتمام بقراءة ما يطبع في الجزائر بالعربية، من قبل المغاربة لأنه يجيب عن حاجاتهم، حيث لدينا دراية بذلك.
إنه لأمر مؤسف أن نرى التحلل والاندثار الذي آلت إليه الهندسة الإسلامية بالمغرب، إنها إحدى الطرق التي يمكننا من خلالها القيام بأكبر قدر من العمل.
في المقام الأول يجب أن نكرس أنفسنا لترميم الآثار، ذات الأهمية الكبرى لهذا العلم مثل تلك الموجودة في وليلي، والتي يتم تدميرها يوميا، وفسيفساء مسجد تنمل الساحرة، ونواعير مراكش الخشبية المطلية الرقيقة، والعينات الماتعة للفن المورسكي بشالا وسلا، المتهاوي بالتآكل مع مرور الزمن.
سنحاول من خلال دورات تدريب مهنية مناسبة إحياء تقاليد المعماريين في العصور الزاهرة، وإنقاذ الصناعات الفنية الساحرة التي على وشك الانقراض، وذلك عن طريق حماية صناعة الزرابي والفخار والزليج والخشب المرصع النقوش، وغيرها من الصناعات التزيينية.
هذه بعض النتائج التي يمكن للمخزن الوصول لها من خلال تعاوننا معه، لذلك يجب عليه أن يوافق على السماح لنا بإصلاح إدارته، ومن جهتنا يجب أن نواصل بلا انقطاع الاستكشافات العلمية بالبلاد وتحديد مكامنها.
في الإصلاح الإداري تطرح مسائل مثل التعرف على كيفية إدارة القبائل، حيث يجب أن يبقوا كما كانوا في عهد آخر سلطان، ما هي القواعد التي يجب اتباعها في اختيار القياد ومختلف الموظفين ما هي الوظائف التي يجب إسنادها للجزائريين أو التونسيين؟
بالنسبة للاستكشاف العلمي، ليس من الضروري أن نوضح هنا بالتفصيل الوسائل التي يمكن اتباعها في القيام بذلك، لكننا نشير بشكل خاص، إلى مسألة استخدام الأهالي الجزائريين لاستكشاف حدود أراضي العصاة مع الآخرين.
سنقوم بتعداد بعض الإصلاحات الجادة والمثيرة للاهتمام، الممكنة بالمغرب والتي تتطلب اهتمامنا، عدد صغير منها تتطلب حلا مستعجلا، الغالبية غير ناضجة للدخول في الواقع الحالي، وكلهم يطلبون أن تتم دراستها دون تأخير، والتي غالبا ما تكون صعبة ومثمرة دائما.
إن لجنة إفريقيا الفرنسية استدعت كل الأعضاء ليساهم كل واحد منهم من خلال كفاءته الخاصة، في إدارة هذه السياسة أو غيرها من السياسات الأخرى لكشف حقيقة ما نجهله من حقائق في الواقع، لقد سبق أن قدمنا في عرضنا أن الواقعية تبين لنا أن العمل المغربي هو عمل في شمال إفريقيا، وأنه ليس هناك نقاش يمكن أن يفْصِل ما وحَّدته الطبيعة عبر توحيد الأرض، وأن نقتنع أيضا بأن المخزن والسلطان محتاجان لنا أكثر من احتياجنا لهما، وينتظران تفاهما وُدِّيا نقدمه للعالم كحل وحيد للمسألة المغربية وليس شرابا لعنوان دبلوماسي.
سيكون الإصلاح الفرنسي المغربي للمغرب قادرا على أن يكون آخر عمل استعماري عظيم لبلادنا، إذا ما أردنا المعرفة، ولا ننسى تقاليدنا اللبرالية، سيظل مسموحا لنا أن نعطي للعالم من على مسرح إفريقيا الشمالية مشهدا فخما للشعب “الفرنسي” الذي عن طريق رعايته الكريمة “للمغرب” نمى وازدهر، والذي لولاه لبقي ضعيفا”.
إدمون دوتي
إفريقيا الفرنسية عدد نونبر 1903، ص:361-362.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *