إن المؤمن مهما علا شأنه أو تواضع، لا بد وأن عليه واجبا في عنقه للأقصى والقدس وفلسطين، يلزمه أن يقوم به، ولا عذر له بحال من الأحوال.
فإن تعذر العمل باليد عوّضه اللسان وإن تعذر باللسان عوضه القلب، فمن حكمة الله ومنته أن جعل الجوارح حرة لا يستطيع تعطيلَها بالكامل المستبدون ولا الأعداء، وهذا ما جعل الإسلام في عهده الأول ينطلق من دار الأرقم بن أبي الأرقم ليحكم العالم بالحق والعدل وأرقى القيم رغم مكائد الأعداء من كبريات الأمم مثل فارس والروم الذين كانوا يحكمون العالم قبل فجر الإسلام.
فعلى كل مسلم اليوم أيضا أن يقوم بواجباته اتجاه قضايا أمته، وعلى رأسها قضية الأقصى والقدس وفلسطين، ولا يشغب المعتوهون على الناس بقضية الصحراء فهي أيضا في الصف الأول من الاهتمامات ولا داعي للمهاترات.
ومن لم تحركه مقدساته الدينية وقضايا أمته فلن تحركه الصحراء وقضيتها، وفي الغالب إن اضطررنا إلى الحرب ضد العدو في صحرائنا وجدت المخذلين يولون الأدبار كدأبهم في كل زمان ومكان، ومنهم من سيكون في الطابور الخامس لجيش الأعداء كما كان أسلافهم زمن ليوطي والگلاوي.
وبدهي أن القلبَ إذا خالطه هَمُّ الأقصى والقدس وفلسطين، فلا بد أن يفكر العقل، ولا بد تبعا لذلك أن تتحرك الجوارح، فهناك عشرات الوسائل للقيام بالواجب الذي يفرضه على المرء إيمانُه تجاه قضايا أمته.
إن واجب المسلم اتجاه إخوته المرابطين في فلسطين والأقصى يلخصه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره”.
فكيف لا يخذل إخوانه المسلمين في فلسطين مَن لا يتحرك لنصرتهم وهم يقصفون ويقتلون ويهجرون؟؟
لقد كان للعرب روابط العرق المبنية على الدم والعيش المشترك وكانت من محدداته الجغرافيا، فلما جاء الإسلام جعل هذه الروابط في الصفوف الدنيا من سلم الروابط، وأرسى العلاقات بين المسلمين على أساس الإيمان، ودعائم عقيدة الولاء والبراء التي استهدفها الغرب بقوة خلال الحرب العالمية الأخيرة على الإسلام، والتي انطلقت بعد أحداث 11 من شتنبر 2001، فرأينا آلاف المقالات والكتب والتصريحات تدعو إلى إعادة قراءة التراث والفقه الإسلامي وذهب بعضهم إلى حذف آيات الجهاد والولاء والبراء من القرآن حتى يستجيب لحقوق الإنسان وقيم التعايش، التي لم ينتفع منها أحد الساعة منذ دونت في لوائح الأمم العربية المتحدة سوى اليهود الصهاينة والدول الغربية.
إن النصرة بين المسلمين لا تسقط بحال وقد تعلو فتكون بالمال والنفس دون اعتبار للحدود الجغرافية وقد تقتصر على الدعاء، وبينهما أمور وأعمال كثيرة متنوعة، سهلة يسيرة وناجعة مفيدة، يدركها كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فتعسا وتعسا وتعسا ألف مرة لمن قال أو تأثر بقول المخذلين “تازة قبل غزة”، فهم قد خذلوا تازة وخانوا إخوانهم في غزة.
وهؤلاء المساكين المنهزمين عندما تحاورهم أو تسمع لهم، لا تجد لهم بناء عقديا ولا شرعيا، وكلما تكلموا أيقنت أنهم ضحايا المفاهيم المحرفة التي ينتجها الغرب ليفتت القوة الإيمانية في بلدان المسلمين، ومن أمثلتها التعايش الداعر الذي يَخرس دعاته عندما يقتل متطرفو الصهاينة الأطفال والنساء ويهجرون العجائز ويسرقون دورهم كما وقع في حي الشيخ جراح، في حين ينتفضون وينتفشون عندما يرتكب ضعاف العقول أعمالا مثل التي وقعت في “شارلي إيبدو” التي تبدأ بالعدوان على الدوام وتستفز المسلمين وتشن الحرب عليهم وتنتهك مقدساتهم باسم حرية التعبير الماجنة وهذا مفهوم آخر من المفاهيم المحرفة التي يتوسل بها إلى تفتيت كل عقيدة وتدنيس كل مقدس.
إن الجغرافيا الصماء كانت على مر تاريخ الإسلام تحت أخوة الإيمان الشماء، فقد أَسَّس هذا المبدأَ ربُّنا سبحانه في كتابه الكريم لما قرر وأمر: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، ومضى على هذا المبدأ كلُّ المسلمين، لهذا وجدنا المغاربة في جيش صلاح الدين في معركة حطين، ومع يوسف بن تاشفين في معركة الزلاقة، وبهذا وحده عزَّت أمتنا وتقوت وأرهبت عدوها وسادت العالم لقرون.
فلما ضعفت وهانت وتركت العمل بدينها رأينا المغاربة في الجيوش الفرنسية تقاتل في الهندوشين، وتموت من أجل إعلاء راية فرنسا في الحروب العالمية السابقة، ورأينا بالمقابل الجزائريين والسنغاليين في الجيش الفرنسي يتقدمون مدافع الغزو ليفتحوا لجنوده مدن المغرب وقراه. واسأل التاريخ عن نتائج ضعف عقيدة الولاء والبراء لدى المسلمين تسمع عجبا.
ولو كان أولئك الجهال يسمعون أو يعقلون لعلموا أن فلسطين تعتبر بالنسبة لكل بلاد المسلمين عمقا استراتيجيا، إذا سقط تسقط كل عواصم الدول الإسلامية، فلما فرطنا فيها باسم السلام الخائن والتعايش الداعر ها نحن جميعا نؤدي الثمن اختراقا وتغلغلا من طرف الصهاينة في البلاد والاقتصاد.
فإذا كان الرأسمال الصهيوني في القرن العشرين قد تغلغل في بلدان الإسلام تحت مفهوم الحماية ونظم الانتداب فهو اليوم يفعل نفس الشيء تحت مفهوم التطبيع ونظمه.
وما استطاع الصهاينة أن ينتزعوا اتفاقيات التطبيع مع المغرب والسعودية والبحرين والإمارات إلا بالعمل المشين الخائن الذي قام به أمثال أصحاب شعار “تازة قبل غزة”.
إننا عندما ندافع عن أي قطر مسلم ضد العدوان الصهيوغربي إنما نكون في الحقيقة ندافع عن بلادنا وأهلنا، فما دخل الفرنسيون المغرب واحتلوه واستنزفوا ثرواته حتى توقف المغاربة عن قتالهم في الجزائر بعد ضغوط عسكريي فرنسا ومكر الاتفاقيات والمعاهدات التي يبرمون فيها حيلهم ومكرهم، الجزائر التي يقوم عسكريوها المستبدون الظلمة اليوم بالدور نفسه الذي قام به الزواف الجزائريون في العمليات الحربية لغزو فرنسا للمغرب.
فالحذر الحذر من العدو، والنصرة النصرة لإخواننا في الإسلام.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.