من خصائص الشريعة الإسلامية الشمولية، حيث إنها لم تترك مجالا من مجالات الحياة سواء تعلق بالأفراد أو المجتمعات إلا وتكلمت عنه وبينت حكمه، سواء بالتفصيل او الإجمال، كما أقرت أصولا وقواعد تمكن من معرفة أحكام القضايا المستجدة بطريق الاجتهاد والقياس وفق ما تقتضيه مقاصد الشريعة المعتبرة، وهي في شموليتها تحث المسلمين أفرادا وجماعات على الالتزام بها وعدم التفريق بين احكامها أو الانتقاء منها أو الغاء بعضها، وهذا هو مقتضى أمر الله للمؤمنين في كتابه الكريم الذي هو مصدر هذه الشريعة حيث قال تعالى: ( يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة) سورة البقرة، أي ادخلوا في الإسلام كله واعملوا بجميع شرائعه كما قال المفسرون. فلا يكمل إسلام المؤمن إذن إلا إذا أخذ بشرائع الإسلام كله، في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والظاهر والباطن، فيتحقق بالإسلام شكلا ومضمونا ظاهرا وباطنا، وإن من الخطر على المسلم و كل من ينتسب إلى الإسلام أن لا يكون تركه لبعض شرائع الإسلام جهلا أو عجزا أو تقصيرا، وإنما يكون ذلك عن كره لبعضها، أوتركها قصدا بدعوى عدم أهميتها وضرورتها، أوانتقاصا من شأنها كما يقول البعض عن بعض الشرائع أنها ( ليست مهمة)، وبالدارجة يقولون (ما بقاتش في الصلاة او الحجاب أو اللحية مثلا)، وبعضهم يأخذ من الشرائع ما يوافق هواه وطابت به نفسه، وما لم تمل إليه النفس يتركه بكل أريحة وعناد، وهذا الحال الذي صار عليه كثير من المسلمين هو شأن اليهود الذين ذمهم الله بهذا في القرآن وحذر المسلم من أن يحذو حذوهم ويسلك مسلكهم حيث يقول تعالى:( أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا…) البقرة.
إن المسلم عليه ثلاث حقوق؛ حق لله وحق للغير وحق للنفس، كما ورد في حديث سلمان حين قال لابي الدرداء رضي الله عنهما: ( ان لربك عليك ولنفسك عليك حقا ولأهلك لعيك حقا فأعط كل ذي حق حقه) فقال عليه السلام: صدق سلمان، فالواجب أداء كل هذه الحقوق لتتحقق شمولية الإسلام في حياة المسلمين، أما التجزيئ والتركيز على جانب دون أخر فهو عبث بالشريعة وضلال عن الهدى الذي حاء به القرآن في كل شيء من أمور الحياة، وقد أكد النبي عليه الصلاة والسلام ذلك في قوله ( تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي) وهذا معناه ان التمسك بالقرآن والسنة والعمل بهما في كل مجالات الحياة هداية واستقامة وصلاح، وترك ذلك أو التخيير فيه ضلال وانحراف مهما توفق الانسان في مجال ما لكنه مفرط في مجال آخر قد يكون هو أساس الفلاح والصلاح واستحقاق المدح والثناء.
انه لمن المؤسف اليوم ان نعيش حالة من تجزيئ الشريعة الإسلامية وخضوعها لأهواء الناس تطبيقا وحرصا وتعظيما، فكل يطبق من الشريعة ما تهواه نفسه ويحرص على ما يوافق هواه ويعظم ما يناسب مزاجه، وإن من الملاحظ والذي طغى بشكل كبير اليوم في أذهان الناس هو قصر الشريعة الإسلامية على الجانب الإنساني، فراج عند الناس حتى أجمعوا عليه مقوله ( الدين المعاملة) وهي إن كانت صائبة لكن يراد بها باطل، وجعل الاسلام متمثلا في حق الغير فقط، مع تفريط كبير جدا في حق الله، وإن كانت الحقوق كلها ترجع في مآلها الى الله فهو الذي أمر بها كلها، فتجد الناس يمدحون الكافر والفاسق المعلن بفسقه والفاجر المعلن بفجوره المتمرد على حقوق الله، فقط لأنه يقوم بأعمال إنسانية أو إغاثية، وأعتقد أن أكثرهم لا يفعلها لله بقدر ما يفعلها إشباعا لنزوة نفسية ورغبة وجدانية، بحيث يجد في ذلك لذة ومتعة، وإلا لو كان الانسان يفعل ذلك لله فان لله عيله حقوقا لم لم يفعلها إذن إن لم يكن يختار من شريعته ما تهواه النفس وكأن الشريعة سوق ممتاز يشتري منه المرء ما يشاء ويختار، فلم يترك المسلم الصلاة، ولم يشرب الخمر، ولم تتعرى وتتبرج، ولم يأكل الربا، ولم يلعب القمار، ولم تعمل راقصة في الملاهي، ويعمل مغنيا في المراقص؟؟؟، هذا على سبيل المثال وهلم جرا. وفعل هذه المنكرات ليس من باب الخطأ الذي يتوب منه الانسان ويندم على فعله، وانما تفعل من باب استباحتها ما دامت أنها وفق هوى النفس، وهذا عن المسلم، أما غير المسلم فالله غير حاضر في قصده أصالة ما دام لا يؤمن به أصلا.
إن هذه القضية من أخطر ما راج على المسلمين في هذا الزمان، فواجب التنبيه الى خطرها حتى لا يبقى من الشريعة إلا رسوما وأشكالا وطقوسا تنتهي بتشويه الشريعة وإفراغها من محتواها وإسقاط شموليتها، وقد صدق النبي الصادق المصدوق حين قال( لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة، أولهن الحكم وآخرهن الصلاة)، حتى وجد في المسلمين اليوم من ينتقص من شأن الصلاة ويعتبرها غير مهمة ولا ضرورية في علاقة الانسان بربه، وصارت قناعة عند بعض الناس أن تارك الصلاة أفضل من المصلي، وأن تارك الصلاة لربما أقرب إلى الله من تارك الصلاة، وأن المتبرجة والعارية واللوطي ووو أفضل عند الله من كثير من المتدينين، بدعوى أن أخلاقهم حسنة أو يفعلون الخير مع الناس، وإن فرطوا في حقوق الله جملة تفصيلا. فما أخطر هذا العبث بشريعة الإسلام من المسلمين أنفسهم للأسف، بسبب فشو الجهل وطغيان الهوى وسطوة الشهوات.