الوسطية والاعتدال لها سمات، وهذه السمات ذكرتها النصوص، ووجدت في سلوك الصحابة، وفي سلوك أئمة الإسلام من بعدهم.
أما سماتها: فالوسطية والاعتدال هي سمة الشريعة بنص القرآن، فهذه الشريعة متسمة بأنها شريعة السماحة ورفع الحرج.
قال الله جل وعلا: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ”، وقال أيضا: “مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ”.
وإليك سمات الوسطية:
1- أنها شريعة العدل في الأحكام والتصرفات، ولذلك كانت وسطا، فالعدل في الأحكام والتصرفات يوجب الوسطية، لأن غير ذي الوسط لا بد أن يكون في سلوكه تفريط أو إفراط.
2- أن هذا المنهج موافقٌ للشرع والعقل السليم، فالشرع الصحيح بنصوصه وقواعده واجتهادات العلماء فيه يدعو إلى الوسطية والاعتدال، وينهى عن الغلو والمبالغة، وكذلك مقتضيات العقل السليم، فإن حياة الناس لا تستقيم إلا بهذه الوسطية، فإن الانحراف عن الجادة بغلو أو جفاء لا يكون معه العيش مستمرا على وفق مصالح الناس، فمصالح الناس تقتضي عقلا أن يكون هناك منهج متوسط يجتمعون عليه، ويدافعون عنه.
3- أن الوسطية والاعتدال يبرئان من الهوى ويعتمدان على العلم الراسخ، والعلم إما أن يكون نصا من كتاب أو سنة، أو أن يكون قولا لصحابي فيما لم يرد فيه نص، أو يكون من اجتهادات أهل العلم الراسخين في ذلك. فاعتماد الوسطية على العلم الراسخ الصحيح مظهر من مظاهرها، وسمة من سماتها.
4- أن الوسطية تراعي القدرات والإمكانات فليس صاحب الوسطية معجزا للناس في طلباته، أو داعيا إلى خيالات في آرائه وتنظيراته.
فكثير من الناس لهم تنظيرات وخيالات، وهؤلاء يبتعدون عن الوسطية المرادة، لأن الوسطية والاعتدال تؤثِّران في حياة الناس تأثيرا واقعيا ملموسا، وهذا يعني أن تراعى في ذلك القدرات والإمكانات، سواء أكانت قدرات الأفراد، أم قدرات المجتمع، أم قدرات الدولة، أم القدرات المتعلقة بالأوضاع العالمية.
5- أن فيها مراعاة للزمن والناس، فالزمن يتغير، والناس أيضا يحتاجون إلى تجدد باعتبار الزمن وباعتبار التغيير، فمحافظتهم على المنهج الوسط يقتضي أن يكون هناك مراعاة لاختلاف الأزمنة والأمكنة والناس، ولهذا نص أهل العلم على أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان، والوقائع والأحوال والناس.
أما أسباب الثبات على الوسطية فهي:
أولا: معرفة المنهج الصحيح من الكتاب والسنة، وكلام أهل العلم الراسخين فيه لأن المنهج الصحيح يحتاج إلى معرفة نصوصه وأدلته، وكلام أهل العلم فيه، ولم يؤت الناس إلا من بُعدهم عن الثبات عن المنهج الحق والاعتدال والوسطية، وذلك سبب قصورهم في العلم وغلبة الجهل..
الثاني: قوة العلم والتبحر فيه فإن العلم يزداد بالاعتدال، ويضمحل بالغلو أو الجفاء.
الثالث: قوة العقل، فالله جل وعلا خاطب في كتابه العزيز أولي الألباب، وخاطب الذين يعقلون وخاطب الذين يفهمون، وخاطب من يتذكر من أهل اللبِّ الصحيح السليم، ومن أهل العقل الصحيح القوي، وفي هذا إشارة إلى أهمية العقل والإدراك في فهم النصوص، وفهم المصالح.
الرابع: النظر في تجارب الناس والتاريخ وما حصل فيه من محن وفتن وما حصل من إصلاح، فإن هذا ينتج عنه الاهتمام بلزوم الوسطية والاعتدال، لأن التاريخ فيه تجارب كثيرة دامية، وفيه تجارب كثيرة قاتلة، وفيه تجارب كثيرة صالحة ومُصلِحة، من نظر فيها بعين الإنصاف وجد بقوة عقله وإدراكه أن من نجح كان معتمدا على الوسطية في قوله وعمله وعقله وإدراكه.
الخامس: الصبر، لأنه سمة أهل العلم، بل هو سمة الأنبياء والمرسلين، قال الله جل وعلا: “وَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ”، وقال جل وعلا: “وَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ”، فمن استخلف فليس بذي عقل، ومن لم يكن جازما بوعد الله حقا، صابرا فهو مستخف أيضا، وليس بذي إدراك سليم.
فالصبر وعدم الاستعجال في الأمر كله من سمات الثبات على الوسطية والاعتدال، وذلك من أسباب النجاح في المآب والمقاصد. (انظر الوسطية والاعتدال للشيخ صالح بن عبد العزيز).