التعريف
المذهب الوضعي مذهب فلسفي ملحد يرى أن المعرفة اليقينية هي معرفة الظواهر التي تقوم على الوقائع التجريبية، ولا سيما تلك التي يتيحها العلم التجريبي. وينطوي المذهب على إنكار وجود معرفة تتجاوز التجربة الحسية، ولا سيما فيما يتعلق بما وراء المادة وأسباب وجودها.
التأسيس وأبرز الشخصيات
تأسس المذهب الوضعي في فرنسا على يد الفيلسوف “كونت” ومعظم من جاء بعده طبَّق منهجه في العلم والمعرفة. ومن أبرز شخصيات المذهب:
“أوغست كونت” 1798-1857م وهو الفيلسوف الفرنسي المؤسس للمذهب، عمل أميناً للسر(سكرتيراً) للفيلسوف الاشتراكي “سان سيمون” وبدأ بإلقاء محاضرات عن فلسفته الوضعية سنة 1826م، ثم أصيب بمرض عقلي وحاول الانتحار.. وقد نشر كتابه بعد ذلك تحت عنوان: محاضرات في الفلسفة الوضعية بسط فيه نظريته في المعرفة والعلوم.
نادى بضرورة قيام دين جديد هو الدين الوضعي، يقوم على أساس عبادة الإنسانية.
“سان سيمون” وهو فيلسوف فرنسي اشتراكي النزعة، في كتابه “مقال في علوم الإنسان” سنة 1813م أطلق كلمة وضعي على العلوم القائمة على الوقائع الخاضعة للملاحظة والتحليل، والعلوم التي لم تؤسس على هذا النحو يسميها العلوم الظنية.
“ريتشاد كونجريف” وهو مفكر إنكليزي ناصر الوضعية واعتنق أفكارها.
“زكي نجيب محمود” وهو مفكر عربي مصري، تبع الفلسفة الوضعية الملحدة، وتبنى أفكارها، وألف كتاب “المنطق الوضعي”.
“أ.إير” فيلسوف إنجليزي.
“ب. برتراند راسل” فيلسوف إنجليزي.
الأفكار والمعتقدات
صاغ الفيلسوف الفرنسي “كونت” مبادئ وأفكار المذهب الوضعي، ثم بلور من جاء بعده من الوضعيين هذه الأفكار وصار على منهجها العلمي.
وهذه خلاصة لتلك الأفكار مع نقد المفكرين والفلاسفة لها:
– استحوذت على تفكير كونت فكرة التقدم الإنساني.
– وضع كونت قانون التقدم الإنساني، وهو قانون الحالات الثلاث الذي يتقدم العقل البشري بمقتضاه من المرحلة اللاهوتية إلي المرحلة الميتافيزيقية ثم إلى المرحلة الوضعية الأخيرة.
وقد قسم كونت المرحلة اللاهوتية إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الوثنية -والمرحلة التعددية- والمرحلة التوحيدية وهي المرحلة الأخيرة التي بدأت بظهور النصرانية والإسلام.
والمرحلة الوضعية بدأت بالثورة الفرنسية، وهي المرحلة التي تفسر الظواهر عن طريق الاستقرار القائم على الملاحظة.
– ويطبق “كونت” هذا القانون في التطور على جميع العلوم الإنسانية والاجتماعية مثل الحضارة والسياسة والفن والأخلاق.
• نقد القانون
– وقد نقد طائفة من المفكرين قانون الحالات الثلاثة بما يلي:
1- يعتبر “كونت” أن الإنسانية كلٌّ لا يتجزأ وأنها خاضعة لقانون واحد بينما نجد أن هناك مجتمعات لا تسير في تطورها وتقدمها على نمط واحد في فهم وإدراك الظواهر.
2- يختلف الطريق الذي سلكه العقل الإنساني عن الذي حدده “كونت”، ففي كثير من الأمور كان الفهم الوضعي للأمور يسير مع الفهم الديني أو الميتافيزيقي؛ ففي مجال فهم الحقائق الرياضية والفلكية -مثلاً- أمور كانت تسير مع الفهم الديني قديماً. ولا تزال بعض المجتمعات تفسر الحقائق العلمية القائمة تفسيراً دينيًّا، على الرغم من أننا نجتاز حالياً المرحلة الوضعية في نظر “كونت”.
3- لا يستمد قانون المراحل الثلاث حقائقه من التاريخ، وإنما هو فكرة فلسفية اختار لها كونت مجتمعات معينة حاول تطبيقها عليها دون استقراء لتاريخ المجتمعات الإنسانية.
4- يفسر هذا القانون بأنه التقدم، بينما نجد الحضارة عبارة عن مستوى عام للحياة المادية والروحية للمجتمع دون النظر إلى تقدمها أو تأخرها.
الجذور الفكرية والعقائدية
لقد اعتبر “فرنسيس بيكون” 1561-1626م نفسه داعية للعلوم الجديدة، وهي العلوم التي كانت في طريقها إلى الانفصال عن الفلسفة في القرنيين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. وربما عُدّ “بيكون” بادئ الوضعية وواضع الاسم الذي سميت به في القرن التاسع عشر، ففي كتابه في “المبادئ والأصول” 1623م أطلق “بيكون” صفة وضعي على الحقائق الأولية التي يجب تقبلها إيماناً بصدق الخبرة.
وقد كان “بيكون” موضع تقدير كبير من الفلاسفة التجريبيين في القرن التاسع عشر في كل من إنكلترا وفرنسا. وأصبحت كلمة وضعي تطلق على مناهج العلوم الطبيعية، نظراً لاعتماد هذه المناهج على الملاحظة واستخدمها للتجربة، ولقد سبق بيان كيف أن “سان سيمون” الذي عمل “كونت” في خدمته قد أطلق كلمة وضعي في كتابه مقال في علوم الإنسان على العلوم القائمة على الوقائع الخاضعة للملاحظة والتجريب.. وقد اقتبس “كونت” هذه الأفكار وأقام عليها نظريته وقانونه الوضعي.
الانتشار ومواقع النفوذ
زحف المذهب الوضعي من فرنسا إلي إنكلترا، واعتنق بعض الفلاسفة مبادئ المذهب الوضعي. إلا أن بعض كبار المفكرين والفلاسفة رفضوا متابعة “كونت” في مفهوم دين الإنسانية الذي وضعه، وبالرغم من ذلك فقد أُنشئت جمعيات وضعية في أجزاء مختلفة من العالم على غرار النموذج الذي أسسه “كونت” نفسه عام 1848م. وفي هذه الجمعيات كانت الإنسانية هي موضوع الشعائر الدينية، واتخذ من علم الاجتماع سنداً لمثل هذه الديانة الاجتماعية، وقويت هذه الحركة بصورة خاصة في أمريكا اللاتينية، ولكنها ازدهرت لعدة سنوات في إنكلترا..
وقد صدرت المجلة الوضعية التي أطلق عليها فيما بعد اسم الإنسانية من عام 1893م إلي عام 1925م. وقامت محاولات لإحياء الوضيعة في إنكلترا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، من خلال أعمال الفلاسفة الإنجليز “إير وراسل”.
يتضح مما سبق
أن المذهب الوضعي مذهب فلسفي ملحد، يركز المعرفة اليقينية في الظواهر التجريبية، وينكر وجود معرفة مطلقة، ويقول إن التقدم بدأ في العلوم الطبيعية وبدأ ينتقل للعلوم الاجتماعية، وأن العقل البشري يتقدم من المرحلة اللاهوتية الدينية إلي المرحلة الميتافيزيقية كي يصل في النهاية إلى المرحلة الوضعية التي هي قمة التخلي عن كل العقائد الدينية، وبذا تتضح مخاطر هذا المذهب على كل مسلم.