يبدو أن المثل الشعبي المجحف: (شاور المرأة ولا تعمل برأيها) قد ولَّد في مجتمعنا مثالا مضادا: (شاور المرأة ولا تعمل بغير رأيها)!
وهو مثل نطق به لسان واقعنا الذي أصبح يعاني من تسلط نسوي يريد فرض رأيه بالقوة على مجتمع يعاني من اختلال الميزان الذي لا يراد له أن تستوي كفتاه؛ فإما ميل إلى الجفاء والتفريط وإما طيش إلى الغلو والإفراط.
هذا ما نلاحظه بوضوح في موقف الحركة النسوية العلمانية التي آمنت بوحي الأمم المتحدة ولم تر الحل لمشكلة المرأة العربية إلا في شريعتها، وهي تحرص على تطبيق توصياتها بالحرف، ولا تقبل أي استثناء في الباب، وكأن الله تعالى أنزل في الأمم المتحدة مثل ما انزل في رسوله صلى الله عليه وسلم حين قال له: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}!
فمنذ أن أصدرت المؤتمرات الدولية توصياتها واتفاقياتها والحركة العلمانية تسعى جاهدة لتنفيذها، مسفهة أحلام المجتمع ومحتقرة لكل إرادة تتنافى مع إرادتها، وهي تعتبر المجتمع متخلفا وماضويا وسطحي الفكر ما لم يطبق تلك الاتفاقيات تطبيقا شاملا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها!
وإذا كان هذا الاستبداد برأي الذات مع احتقار رأي الغير -كائنا من كان- قد تمظهر في قضية المرأة بأوجه مختلفة؛ فإنه يتمظهر بشكل أبرز في تعامل النسوية العلمانية مع التحفظات التي أبداها المغرب حول بعض مواد اتفاقية كوبنهاكن للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وقد قامت تلك التحفظات على اعتبارات صحيحة مسوغة شرعيا ومنطقيا، اعتبارات تنسجم مع خصوصيات بلد له أصول ومصادر تشريعية ليست عند الآخر، وهو ما يعني بالضرورة أن قوانينه يراعى فيها ما لا يراعى عند الآخر، وهو واقع لا يمكن أن يتغير بتغير الزمان إلا إذا حذفنا من الدستور عبارة: “الإسلام دين الدولة المغربية”.
وما دام هذا من قبيل المستحيلات فإن تجاوب قوانيننا مع قوانين الآخر تجاوبا كاملا شاملا سوف يكون من قبيل المستحيلات، وإلا اجتمعت فينا المتناقضات، وهذا مرفوض في المنطق.
إن ثقافة حقوق الإنسان إنتاج فكري بشري لم يكن في يوم من الأيام محل إجماع بين عقلاء البشر، ولا يمكن تصديق القول بأنه قائم على تخطيط منطقي موضوعي شمولي، بل هو خاضع لنظرة أحادية استبدادية صبغت بصبغة العالمية.
وبراهين ذلك أكثر من أن تحصر، وقد أوردنا بعضها في هذا الملف.
ولا يتنافى مع هذه الحقيقة ما هو مسلم به من أن هذا الرصيد لا يخلو من إيجابيات، لكن سلبياته أكثر بسبب تبنيه لمرجعية فكرية مستبدة وإقصائه للمرجعية الشرعية الربانية المصادر، التي لم تكن لتقصر في إعطاء موضوع حقوق الإنسان حقه، وتوفيته مستحقه، بل إنها عالجته من خلال ثروة تشريعية معجزة قائمة على النظرة الصحيحة للكون والإنسان والحياة، ومؤطَّرة بنصوص معصومة وقواعد جامعة ومقاصد شريفة، تقوم على حكمة العبودية لرب العالمين وتحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة.
وهي منحة ربانية صرحت المواثيق الدولية برفضها حين نصت في مواد كثيرة من موادها على إلغاء اعتبار الدين مطلقا!!
من هنا جاء هذا الملف الذي أعددناه من منطلق قناعتنا الراسخة المستمدة من القرآن والسنة مصدري الشريعة الإسلامية التي لا يمكن أن تنسخها المواثيق الدولية، لأنها منزلة من لدن العدل الكريم الرحيم بعباده الذي كرم -خلقا وتشريعا- بني آدم وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، وحذرهم من استبدال شريعته الكاملة بغيرها من الشرائع والقناعات التي لا يمكن أن تسلم من نزغ الشيطان ووحي النفوس الأمارة بالسوء.
كما نذكر بحقيقة كون ما تروج له الأمم المتحدة من أفكار وقناعات إنما وضعها العقل الغربي انطلاقا من قناعاته العلمانية دون أن يأخذ بعين الاعتبار وهو يضع المواثيق الدولية خصوصيات الدول الإسلامية التي كانت ترزح تحت وطأة احتلاله، فكيف يطلب من المسلمين التخلي عن خصوصياتهم الدينية والتاريخية لفائدة القناعات العلمانية الغربية.
كما أننا نتساءل عن نوع التنازلات التي ستطلب منا في السنوات القادمة؟
أليست المساواة بين الجنسين التي تفرضها علينا اتفاقية (سيداو) تستلزم إلغاء نظام الإرث المعمول به في المغرب وفق مبادئ أحكام الشريعة الإسلامية؟
إن مما يدرس في الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني أن الحكم لله، كما شرعه في كتابه وبلغنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يجوز لمسلم أن يشك أو يناقش في هذه الحقيقة، إلا أن الأمر اختلف اختلافا تعكسه مرآة الواقع وتؤكدها الأحداث المتعاقبة في واقعنا البئيس..
قال عز وجل: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ، هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [الجاثية].
والله الهادي إلى سواء السبيل.