النموذج الأول: علم الكلام
علم الكلام من العلوم التي تدرس بالجامعات الإسلامية إلى الآن، ومن العلوم التي تقدم إلى شبابنا على أنها أصيلة في الإسلام، تقدم إلى شباب اليوم من طرف أساتذة من خلف أهل السنة بعد أن صاغتها لجان أكاديمية في منظومة عنونتها بالفكر الإسلامي، وهذه المنظومة تتكون من علم الكلام والفلسفة والتصوف، هكذا نسبت إلى الإسلام والإسلام بريء منها.
والعلم الذي يهمني مباشرة من هذه المنظومة هو علم الكلام، والجانب الذي يهمني منه هو إثبات أنه ليس من الإسلام، وأنه من طلائع الغزو الفكري الأجنبي عن الإسلام رغم أنه يدرس في المعاهد الإسلامية ألف سنة وزيادة، والوسيلة التي أثبت بها أن علم الكلام ليس من الإسلام هي أقوال علماء السلف وشهادة التائبين من الاشتغال به:
من ذلك قول أبي يوسف صاحب أبي حنيفة لبشر المريسي: “العلم بالكلام هو الجهل والجهل بالكلام هو العلم”، ومن ذلك قول الإمام الشافعي: “حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في القبائل والعشائر ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام”، ومن ذلك ما قاله الإمامان أحمد وابن المديني: “من خاض في شيء من علم الكلام لا يكون سنيا وإن أصاب بكلامه السنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص”، ومن ذلك قول ابن خويز منداد المالكي: “أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبدا ويهجر ويؤدب على بدعته، فإن تمادى استتيب منها”.
هذه جملة من أقوال أئمة الفقه في علم الكلام، وأما شهادات التائبين من الاشتغال به؛ فمنها قول ابن رشد في كتابه تهافت التهافت: “ومن الذي قال في الإلهيات شيئا يعتد به؟!” ومنها قول الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين: “وأما منفعته فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق على ما هي عليه وهيئتها، فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف ولعل التخبيط والتضليل أكثر من الكشف والتعريف”، ومنها قول محمد بن عمر الرازي في كتابه أقسام اللذات: “لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن”، إلى أن قال: “ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي”.
وقد شرح ابن أبي العز سلبية علم الكلام فقال: “وسبب الإضلال الإعراض عن تدبر كلام الله وكلام رسوله والاشتغال بكلام اليونان والآراء المختلفة، وإنما سُمّي هؤلاء أهل الكلام لأنهم لم يفيدوا علما لم يكن معروفا، وإنما أتوا بزيادة كلام قد لا يفيد، وهو ما يضربونه من القياس لإيضاح ما علم بالحس، وإن كان هذا القياس وأمثاله ينتفع به في موضع آخر، ومع من ينكر الحس، وكل من قال برأيه وذوقه وسياسته -مع وجود النص-، أو عارض النص بالمعقول؛ فقد ضاهى إبليس، حيث لم يسلم لأمر ربه، بل قال: “قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ”، وقال تعالى: “مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً”، وقال تعالى: “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ””. اهـ. [شرح العقيدة الطحاوية].
قلت: فمن ينكر بعد هذه الأقوال والشهادات أن علم الكلام علم دخيل على الإسلام، ومن الطلائع الأولى التي غزت أفكار المسلمين وأمرضتها؟!