المغرب يقول لا للغزو الصفوي الحلقة الأخيرة حامد الإدريسي

ونجحت ثورة الخميني، وعاد على متن طائرة فرنسية ليقيم الدولة الإسلامية التي ساهمت فرنسا مساهمة كبيرة في إقامة أركانها، واستضافت مؤسسها خير استضافة، وأكرمته كما يستحق كل داعية إلى الله.
ففرنسا حريصة كل الحرص على أن يتم تطبيق الشريعة الإسلامية، ويكون للمسلمين دولة قوية يطبقون فيها دينهم، وينشرون من خلالها دعوتهم، وهذا دأب فرنسا والمشركين كلهم، وهكذا يعاملون كل داعية أراد تأسيس دولة إسلامية من خلال قلب نظام الحكم في بلده.
أظنك لا تصدقني يا قارئي الكريم، أو أظنك تعتقد أني فقدت صوابي، لكن هكذا يريدنا الشيعة أن نتصور، والسؤال الذي تطرحه الآن وأطرحه أنا معك: لماذا دعمت فرنسا ثورة الخميني؟
لا علي من هذا ولا عليك منه، فليس هذا هو مبحثنا في هذا المقال، كل ما في الأمر أن ثورة الخميني قد نجحت على أية حال، وأتي به من فرنسا ليستلم مقاليد الحكم في دولة الشيعة الحديثة، وبدأ عصر تصدير الثورة، كما يسمونه، وراحوا يرددون ذلك على ألسنة قادتهم وتعهدوا به في دستور دولتهم، بل وضعوا خطة خمسينية لنشر المذهب على أوسع نطاق.
من هنا بدأت قصة المغرب مع الموجة الجديدة، وعاد الداء القديم الذي عانى منه المغاربة فترة طويلة، وكلفهم الكثير من الدماء والكثير من العناء أيام الغزو الشيعي الأول الذي تمثل في الدولة الفاطمية.
المرحلة الأولى من النشاط الشيعي بالمغرب
بدأ هذا النشاط الشيعي الجديد أول ما بدأ من خلال من يحتكون به من المغاربة خارج المغرب، فقد كان الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، شديد الحيطة والحذر، فلم يكن باستطاعتهم في ذلك الحين أن ينشطوا بشكل ظاهر، بل كان المغرب منطقة محظورة على فكرهم محمية من كل أباطيلهم.
لكنهم استطاعوا أن يؤطروا مجموعة من الشباب المغربي القاطن في أوروبا وفي بلجيكا على وجه الخصوص، فكانوا يصطادون من يصطادونه من المغاربة خارج حدود الوطن، وكانت هذه هي المرحلة الأولى في دخول الفكر الشيعي إلى المغرب.
وقد عمل الشيعة منذ نجاح ثورتهم، بتنشيط عمل الحوزات التي تعد معسكرات تدريب فكري متكاملة، حيث إن الشاب الذي يذهب هناك، لا يبقى لديه أي انتماء لوطن أو بلد، وإنما يصبح من الثورة وإليها، بل قد ينخرط في جيشها الذي يسمى حرس الثورة، والذي يبلغ تعداده العشرة ملايين في إيران وحدها، وهو تحت قيادة الحوزة ومراجعها.
كما يوفرون له منذ وصوله نصيبه من الخمس، والذي يستطيع من خلاله أن يعيش مع أسرته عيشة طبيعية، لا يحتاج معها إلى وظيفة أو تجارة، بل يتفرغ للدراسة الحوزوية التي يمتد برنامجها أربعة وعشرين عاما وأكثر، حسب اجتهاد الطالب ونبوغه، ويوجد عدد لا بأس به من الطلبة المغاربة الذين وصلوا إلى مراحل عليا في الدراسة الحوزوية.
بالإضافة إلى ذلك قامت السفارات الإيرانية بدور رئيس في هذه الحملة الشيعية على العالم الإسلامي، وفي المغرب كما في باقي الدول قامت بدور كبير في تأطير الشباب وبعثهم إلى إيران، وكان الملحق الثقافي في السفارة والذي يختار دائما من علماء الحوزة، يقوم بدور المرشد الديني والمؤطر الروحي..
المرحلة الثانية حين صار المغرب أكثر انفتاحا
وفي المرحلة الثانية حين صار المغرب أكثر انفتاحا، أصبحوا ينشطون داخل حدود الوطن، بل أصبحت لهم مكتبات في بعض المدن المغربية، لعبت دورا كبيرا في إيجاد المأوى الفكري والعقائدي للمبتدئين. ومن أنشطتها توفير الكتب اللازمة وتوزيعها على المتشيعين، أو الراغبين في التشيع، ويقدم كثير منها بالمجان.
كما توفر المرجعية المباشرة لهؤلاء المبتدئين، حيث تمكنهم المكتبة من اللقاء بدعاة التشيع، والذين يعقدون دروسا في العقيدة والعبادات، وأكثرهم من الطلبة المغاربة الذين يأتون من قم في إجازاتهم الدراسية ويقومون بنشاطات تأطيرية في هذا المجال.
وتقوم هذه المكتبات بتقديم الدعم النفسي، وإيجاد الجو الأسري بالنسبة لكثير ممن يعانون من رفض أسري لتشيعهم، وقد قابلت فتاة في العشرينات، قد تشيعت، وتزور المكتبة كل يوم، وحكت لي عن مشاكلها مع أهلها، وأن عزاءها تجده في هذا المكان.
بالإضافة إلى هذا توفر المكتبات مجموعة ضخمة من الدروس الصوتية المسجلة من الحوزة كما يتم فيها الاجتماع لإقامة الشعائر الدينية، وقراءة الأدعية الشيعية، والقيام بالضرب واللطم، على نطاق ضيق، حيث يجتمع الرجال والنساء لحضور مراسم العزاء كما يسمونها، ويستضيفون فيها الزائرين من خارج الدار البيضاء، ومن خارج المغرب، وقد كان الشيخ البوشهري القادم من إيران يقيم طوال فترة تواجده في الدار البيضاء في الغرفة الداخلية للمكتبة.
ويتم من خلال هذه المكتبات التنسيق بين إيران ومن تشيع المغرب، فيما يتعلق بالنشاط الدعوي الشيعي، من خلال الطلبة المغاربة في قم، والذين لهم اتصال مباشر بهذه المكتبات ويملكون بعضها.
ويستغل اسم المكتبة لتنظيم منتديات وعقد ندوات، كما يستغل للتنسيق للطلبة المغاربة الذين يرغبون في إتمام دراستهم الدينية في الحوزات العلمية في إيران، علما بأنه قد وصل عددهم في قم وحدها إلى ستة عشر طالبا وطالبتان.
موقف المغرب من الغزو الشيعي
لكن المغرب لم يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الحملة الجديدة، وقد كانت مبادرة الحسن الثاني بجمع علماء المغرب، وإصدار فتوى بتكفير الخميني، أول ضربة قوية لهذا النشاط الشيعي في المغرب، لكنها لم تكن كافية لوقف هذا الزحف المدعوم، فاستمر هذا الزحف، وساعد على ذلك، جهل كثير من علماء المغرب ودعاتهم بحقيقة التشيع، وكانوا يظنون في فترة من الفترات أن هناك قواسم للتقارب، وأن المذهب الشيعي الجديد لا يحمل العقائد الباطلة والكفرية التي دعا إليها الشيعة القدامى، وهذا سهل عملية التغلغل، كما ساعده وجود بعض الجماعات التي تعاطفت كثيرا مع هذه الثورة كجماعة العدل والإحسان التي ما زالت تعتبر الخميني مصلحا وقائدا.
لكن سرعان ما عرف العالم الإسلامي حقيقة الشعارات الزائفة التي اختبأ خلفها الشيعة في أول نجاح ثورتهم، وبدأ العلماء الذين انخدعوا بسراب التقريب يستنكرون هذا المد، كان منهم الشيخ القرضاوي الذي وقف وقفته المدوية، وبادرت مصر إلى الوقوف بقوة أمام المد الشيعي مع أن مقر التقارب الشيعي السني يقع في أراضيها.
وأيا كان سبب موقف الحسن الثاني من الخميني، وأيا كانت الدوافع لتكفيره، سواء كان ذلك بدافع السياسة، أو أن ذلك كان بدافع حفظ الديانة وحياطة الأمة، فإن هذا الموقف القوي، رد الموجة في إبان قوتها، وكان موقفا محمودا جنب المغاربة الكثير من الضلال.
واستمر النشاط الشيعي ببطء لكن بخطى مدروسة، كونهم مارسوا هذا العمل في كثير من البلدان، وأحكموا كيفية التغلغل في المجتمعات السنية، وكانت أجهزة الدولة تراقب هذا النشاط إلى أن تجرأ الشيعة المغاربة على النزول إلى شوارع مكناس في مسيرة فاتح ماي سنة 2002، لابسين عصابات سوداء كتب عليها يا حسين، ويحملون رايات سود، مما أدى إلى إثارة السلطات والذي أدى إلى اعتقال مجموعة منهم مجتمعين داخل أحد البيوت، واعترف خمسة ممن ألقي القبض عليهم بانتمائهم للمذهب الشيعي الاثنا عشري، وبنشاطهم الدعوي لهذا المبدأ، مما أدى إلى تقديمهم للمحكمة بتهمة زعزعة عقيدة المسلمين، لكن أثناء المحاكمة، استمات أحد المحامين في الدفاع عنهم، مدعيا أن المذهب الجعفري مذهب من المذاهب الإسلامية التي يحق للمسلمين التعبد بها، ونظرا لعدم إحاطة القاضي بخبايا المذهب الشيعي، فقد تم إطلاق سراحهم.
وهنا يظهر جليا دور السلطان الذي يزع به الله ما لا يزع بالقرآن في كثير من الأحيان، فهو المسؤول عن حفظ أموال الناس، وحفظ أعراضهم، وحفظ دمائهم، وقبل ذلك كله حفظ عقولهم وأديانهم، وهو ما أدى بالسياسة المغربية الواعية إلى إبعاد هذه الجرثومة التي توفر الدعم المعنوي والمادي لدعاة التشيع في كل البلدان، فتم طرد أعضاء السفارة الإيرانية من المغرب في خطوة جريئة تهدف إلى ضرب المحرك الرئيسي لهذا النشاط، وبدأ الشيعة يدركون أن المغرب بلد لا يقبل التشيع، وأصبح شيخهم (هاني) الذي علمهم، والذي ألف كتابا سماه “شيعني الحسين” يختبئ خلف تقيته، فيقول في جواب على سؤال وجه إليه في صحيفة الصباحية عن طبيعة مذهبه كلاما متداخلا معناه: “أنا سني شيعي” وهو الذي كان يقول في فترة من الفترات: “فليمنحوني حرية التعبير وسأشيع المغرب”، وأنا شخصيا أعتبر تصريحه هذا بداية النهاية لهذه الجرثومة التي لوثت الكثير من عقول شبابنا وأبنائنا، وصدق الله العظيم القائل (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *