يكاد المتتبع لحوارات إدريس هاني وخرجاته الإعلامية، أن يصاب بالدوار، لطريقته الزئبقية في طرح أفكاره. ويبلغ الدوار ذروته، للهالة التي يضفيها على نفسه حين يلبسها جبة المفكر صاحب المشروع الحضاري والتجديد الجذري، وغيرها من الألقاب والمفاهيم والمصطلحات الفارغة، التي أصبحت سوقها رائجة.
حجة الإسلام كما يصفه أتباعه، لا يختلف عن ملالي الشيعة في صبغ مواقفه وتصريحاته الحربائية، بلون الزمان والمكان، فيقول في مقاله في مجلة وجهة نظر عدد39: “وكل ما هنالك تصريحات ولقاءات كنت مضطرا للإجابة عنها على مقاس السائل وبلغة قل ما أدت المطلوب كما هو”. فهو يعترف أن لكل سائل جوابه بلغة تقطر تقية، الهدف منها كسب مزيد من الوقت، وإيقاع مزيد من الضحايا. ولقد رجعت إلى عدد من الحوارات التي أجراها إدريس هاني على مدى الست سنوات الأخيرة، فوجدته فعلا يقرأ الأحداث والأوضاع بمكر ودهاء، ويضع تصريحاته وأجوبته في السياق المناسب، مراعيا حالة التعاطف مع الشيعة ليتقدم، أو التموقف منهم ليحجم، مستخدما مرة الخطاب الحسيني الكربلائي، ومتسترا أخرى بالتقية السبئية.
إدريس هاني شيعي رافضي إمامي اثنا عشري العقيدة والمذهب
في حوار مع الصحفي الإيراني حميد حلمي زادة لصالح شبكة النبأ المعلوماتية ضمن ملف عاشوراء لسنة 1427، اعتبر إدريس هاني اللطم والتطبير (ضرب الذات بأدوات حادة) من باب الحرية في التعبير عن الحزن، ودافع عن ولاية الفقيه، وحين سئل عن من أحق بالخلافة من الصحابة، رفض حتى مجرد طرح السؤال وتصور الفكرة، واستطرد أن علي رضي الله عنه أكبر من أن يوضع في هذه المقارنة.
وفي حوار مع موقع الإسلام اليوم ، بتاريخ 20 أكتوبر 2007، أكد أن سب الصحابة هو موقف الشيعة من بعض الصحابة وليس كلهم، مستغربا عدم إثارة سب أعلام الشيعة من طرف أهل السنة، كما أكد وجود مصحف فاطمة، واستدرك أنه ليس بديلا عن المصحف الموجود، واعتبر الاكتفاء ببعض الأدعية والتسابيح عوض سورة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية والثلاثية، مجرد خلاف في الفروع كمسألة تحريك السبابة في التشهد والقبض في الصلاة.
وفي حواره مع جريدة الصباحية عدد 489 قال أنه يعطي دروسا في عقائد الشيعة لأبناء الشيعة أنفسهم، وأنه غير مقلد في العقائد بل مجتهد. وفي موضوعه في مجلة وجهة نظر عدد 39، حاول جاهدا في تعريفه للتشيع أن ينفي كل الخرافات والأباطيل والاتهامات عن الاثنا عشرية وإلصاقها ببعض الفرق الشيعية المنقرضة، معتبرا أن الإثنا عشرية هي الفرقة الكبرى الغالبة المالكة لوسائل الإقناع السنية، وأنها الأقرب لأهل السنة بل هي السنة.
إدريس هاني إيراني القدوة فارسي الهوى
“أنا أحترم إيران وأنا العربي منتصب القامة أمشي” العبارة لإدريس هاني في مقاله بوجهة نظر عدد 39، وصاحبنا لا يدع فرصة تمر دون الإشادة بالجمهورية الإيرانية ونظام ولاية الفقيه، وما يتيحه من حريات وتعدد وحق في الاختلاف، لذلك فنصيحته للعرب في المقال نفسه أن يبنوا علاقات متينة مع الإيرانيين، رابطا مصيرهم بمصيرها، متسائلا: ماذا سيكون مصير العرب إن هم لم يبنوا علاقات شراكة واحترام مع إيران؟
انبهار الرجل بإيران جعله يضعها في مقارنة مجحفة مع طالبان، لتلميع صورة الدولة الشيعية، وتشويه النموذج السني، فنجده يقول أن إيران تتعامل بمنطق الدولة وبرودتها، في حين أن المشروع الطالباني مفتوح على شقوة أحلام المارقين.
وحتى عندما أراد الحديث عن جواز صلاة غير العربي بلغته، لم يجد ما يمثل به من بين كل لغات العالم إلا الفارسية، فقال أنه يجوز للشيعي أن يصلي بآية واحدة فيقول ” دوبليك سبيز” ومعناها “مدهامتان”، ولم يكن الحوار مع موقع فارسي بل مع موقع عربي سني هو موقع الإسلام اليوم في أكتوبر 2007.
إدريس هاني ملبس مضلل مميع المنهج
يتسع كيس صاحب مشروع التبني الحضاري والتجديد الجذري، للجمع بين التشيع والليبرالية والديمقراطية والحداثة، وخرافة ولاية الفقيه، ومصطلحات اللمز والطعن في تراث أهل السنة ورموزهم من جهة، والدعوة إلى التقارب معهم بعد التبرؤ من ماضيهم وتراثهم من جهة أخرى، خليط غريب عجيب لمنهج أغرب وأعجب. ففي حوار له مع شبكة النبأ بتاريخ 1427، دافع عن حرية التعبير بل حرية الكفر والإلحاد، وانتقد محاكمة نصر حامد أبو زيد، ونجيب محفوظ، وأشاد بمواقف إيران من العلمانيين والملحدين والحداثيين أمثال عبد الكريم سروش وغيره. وتغافل عن مواقفها من علماء أهل السنة.
إن الإشادة الماكرة من إدريس هاني بنصر حامد أبو زيد وأمثاله، إنما هي لأجل وقاحتهم في التهجم على السنة المطهرة والتشكيك في الروايات الحديثية والتاريخية، نفس التقدير يكنه إدريس هاني لكل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، حيث يعتبر ما تسير فيه الحركات الإسلامية، نكوصا عما أسسه هذان المصلحان، كما في الحوار الذي أجراه معه منتصر حمادة ومحمد خوادر بجريدة القدس العربي بتاريخ 16/07/2003 ، وكرر الكلام نفسه على موقع العلم والدين في الإسلام.
وفي الوقت الذي نجد فيه إدريس هاني يسعى للترويج لما يسميهم بدعاة الإصلاح والتجديد والمراجعات، وهم المشككون في السنة، نجده لا يدخر جهدا للتشكيك في علماء السنة ورموز الحركات الإسلامية والطعن فيهم بدءا من ابن تيمية ورشيد رضا والألباني وانتهاء بالمودودي وسيد قطب وغيرهم رحمهم الله جميعا. داعيا في الوقت نفسه إلى التقارب ومتهما الآخرين بالانغلاق، والتقريب هنا كما يريده ( السي دريس) هو الابتلاع، أو جعل الآخر يحترم الطعن ويقبل التشكيك الموجه إلى عقيدته بكل رحابة صدر حتى لا يكون منغلقا.