إن الحرب على الستر والحشمة ما تفتأ تخبو نارها حتى يهيج ويلتهب هنا وهناك شرارها، ولا يخفى على البصير حامل لواء الدفاع عن الدين، أنهم أرباب العلمنة الذين لا يملون من بث سمومهم على المرأة المسلمة في بلد الحبيب هذا خاصة، بلدنا المغرب الذي كان فيه النسوة عبر قرون محتشمات في اللباس الشرعي الساتر المعروف، حتى سعى هؤلاء الغاشون الكائدون لأمتهم، المشؤومون على أهليهم وبني جلدتهم بل على أنفسهم! إلى العمل على تحرير المرأة من أحكام دينها، وشرع ربها، ومسخها عن هويتها، وتفريغها من الاعتزاز بحجابها..
وقد اتخذ هؤلاء الأقزام جملة من الدعاوى لأجل ذلك من أشهرها: اعتبار اختلاف الأعراف الاجتماعية فيما يخص اللباس وتطوره !!.
فنقول إن الأعراف والعادات عند كافة العلماء ليست أحكاما شرعية، بل هي مناط للحكم الشرعي، وهذا هو معنى قول الفقهاء: “اختلاف حال لا اختلاف حكم” انظر حاشية ابن الخياط على شرح الخرشي لفرائض خليل 8.
فلا يتصور في عاقل فضلا على من شم رائحة الفقه أن يخالف في ذلك، ولذا فغاية بني علمان مكشوفة، وعادتهم في الإطاحة بأحكام دين الله معلومة، وسنة الله في هتك أستار أمثالهم مسطورة.
فكيف يصح الاعتماد على الأعراف فيما جاءت الشريعة الإسلامية بتحريمه؟!
وكيف تجعل العادات حاكمة على دين رب الأرض والسماوات؟!.
أمَا أمرت الشريعة الإسلامية بالستر! فلِمَ يا مدعي النظر تدعون إلى مخالفة ذلك تمسكا بالعرف الفاسد الذي شاعت فيه الألبسة المكشوفة، والأزياء المفضوحة !!.
قال الإمام المجتهد محمد بن إبراهيم الوزير في الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ( 1/ 202)” :وأجمعوا على وجوب الحجاب للنساء”.
أمَا نهت الشريعة الإسلامية عن العري! فلِمَ يا مدعي الفكر تدعون إلى التكشف استنادا إلى العادات الفاسدة التي ظهرت فيه أفخاذ النسوة بل أكثر من ذلك!!
فقد أجمع العلماء على تحريم التبرج، كما حكاه الإمام الصنعاني رحمه الله في حاشيته: “منحة الغفار على ضوء النهار” 4/2011-2012، نقلا عن “حراسة الفضيلة ” للشيخ بكر بن عبد الله رحمه الله، ص110.
فلا شك عند الفقهاء مراعاة اختلاف الأعراف في الفقه الإسلامي لكن بشرط عدم مخالفته لدين الله تعالى، حيث تعتبر المرأة لباس قومها وبلدها عند احتجابها بالشروط الشرعية، والضوابط المرعية، وإلا فلا صحة لعرف خالف المنصوص إجماعا “لأن العرف مهما صادم الشارع، أصبح على المكلف بتطبيق الشريعة أن يعمل بالنص ويهمل العرف، إذ الشريعة إلزامية، وما شرعت إلا لكي تنفذ نصوصها وتحترم، فلا يجب تعطيلها بالعمل على خلافها، وإلا لم يعد للشريعة معنى” كما قال العلامة الشاطبي المالكي رحمه الله في الموافقات 2/183.
وقال العلامة ابن عاصم الغرناطي المالكي رحمه الله في نظمه مرتقى الوصول إلى علم الأصول 742 مع شرحه:
العرف ما يعرف بين الناس****ومثله العادة دون باس
ومقتضاهما معا مشروع****في غير ما خالفه المشروع
ومن نفيس ما جادت به قريحة العلامة ابن عاشور رحمه الله في هذا الصدد تقرير أن اعتبار العرف مناطا للحكم الشرعي في الشريعة الإسلامية لأن حاجة الناس إلى العرف فطرة قديمة أحس بها الإنسان منذ أيامه الأولى، والمعنى أن مراعاة العادات في الفقه الإسلامي يرجع إلى موافقة الفطرة النقية، فكيف يستند إليها فيما يخالفها فتأمله فإنه دقيق!!
يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله: “..من هنا تعلم أن القضاء بالعوائد يرجع إلى معنى الفطرة، لأن شرط العادة التي يقضى بها أن لا تنافي الأحكام الشرعية، فهي تدخل تحت أحكام الإباحة، وقد علمت أنها من الفطرة، إما لأنها لا تنافيها، وحينئذ فالحصول عليها مرغوب لفطرة الناس، وإما لأن الفطرة تناسبها وهو ظاهر”. مقاصد الشريعة الإسلامية 61.