مصيبة موت العلماء “موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار” (الحسن البصري)

العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم نجوم يهتدى بهم في الظلماء، ومعالم يقتدى بهم في البيداء، أقامهم الله تعالى حماة للدين، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ولولاهم -بتوفيق من الله لهم- لطمست معالمه، وانتكست أعلامه بتلبيس المضلين، وتدليس الغاوين .

ولهذا كان من أعظم المصائب التي يبتلى بها الناس، وتحرك نفوس الأكياس موت العلماء، لأن هذا الأخير سبب لرفع العلم النافع، وانتشار الجهل الناقع.
تعالم ما الرزية فقد مال *** ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حـــر *** يموت بموته بشر كثيـــر
فهذا الحدث الجلل شرط من أشراط الساعة كما قال عليه الصلاة والسلام:” إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم و يثبت الجهل” متفق عليه.
والمراد برفعه هنا موت حملته، فإن العلم لا يرفع إلا بقبض العلماء انظر الفتح 1/213، وبقبضهم يقبض العلم كما في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله لا يبقض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا” متفق عليه.
قال النووي رحمه الله: “هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم ليس هو محوه من صدور حفاظه، ولكن معناه: أن يموت حملته ويتخذ الناس جهالا يحكمون بجهالاتهم فيضلون ويضلون” شرح مسلم 1/223.
ومن محاسن التفسير في هذا الصدد ما ورد عند قول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} الرعد.
الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية: “قال ابن عباس في رواية: خرابها بموت علماءها وفقهاءها وأهل الخير منها، وكذا قال مجاهد أيضا: هو موت العلماء، وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز أبي القاسم بسنده إلى أبي بكر الآجري بمكة قال: أنشدنا أحمد بن غزال لنفسه:
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها *** متى يمت عالم منها يمت طرف
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها *** وإن أبى عاد في أكنافها التلف
تفسير بن كثير.
وقد روي هذا المعنى في تفسير الآية عن عطاء رحمه الله كذلك.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله معلقا عليه في جامع بيان العلم 1/115 : “وقول عطاء في تأويل الآية حسن جدا تلقاه أهل العلم بالقبول”.
وفي الفقيه والمتفقه للخطيب رحمه الله وحسنه 1/5049: “عن علي رضي الله عنه قال: يموت العلم بموت حملته”.
وأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: “عليكم بالعلم قبل أن يرفع، ورفعه هلاك العلماء” رواه الدارمي 1/54 .
فلنشمر -يا رعاكم الله- إلى تعلم العلم والتوسع فيه قبل ذهاب أهله وذويه .
قال المناوي رحمه الله في معرض شرحه لحديث نحو الأحاديث المتقدمة: “و فيه حث على اقتباس العلوم الدينية قبل هجوم تلك الأيام الدنيئة الرديئة” فيض القدير 2/444 .
فالله الله في ذهاب العلماء فإن موتهم كسر في جدار الإسلام وعبء ثقيل على أعناق طلبة العلم النجباء .
فعن الحسن البصري رحمه الله قال: “كانوا يقولون: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار” رواه الدرامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *