مضار الخمر على الدين والصحة والمجتمع

مما تقرر في شريعتنا الإسلامية أنها إنما جاءت لتحصيل المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، فما كان نافعاً أو غلب نفعه كان حلالاً، وما كان ضاراً أو غلب ضرره كان حراما، والخمر من القسم الثاني بلا نزاع. قال الله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) البقرة/219، وأضرار الخمر ومفاسدها مما تواتر علمها عند القاصي والداني، والعالم والجاهل، فمن أضرار الخمر ما ذكره الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة:90-91.

ففي هاتين الآيتين أكد الله تعالى تحريم الخمر تأكيداً بليغاً إذ قرنها بالأنصاب والأزلام وهما من مظاهر الشرك الذي كان منتشراً في الجزيرة العربية قبل الإسلام وجعلها من عمل الشيطان، وإنما عمله الفحشاء والمنكر، وأمر باجتنابها، وجعله سبيلا للفلاح، وذكر من أضرارها الدينية: الصدُّ عن الواجبات والفضائل الشرعية من ذكر الله والصلاة.
وقد اشتملت الخمر على أضرار كثيرة استحقت بها أن يقول عنها نبينا صلى الله عليه وسلم: “الخمر أم الخبائث” (حديث حسن ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة: 1854).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الخمر أم الفواحش، و أكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه وخالته وعمته ” (حديث حسن بشواهده قاله الألباني في السلسلة الصحيحة: 1853).
وهذا من أدلة صدق نبيّنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقد وقع ما أخبر به، في مواطن كثيرة من بلدان الإسلام.
بل ذكرت دائرة المعارف البريطانية أن معظم حالات الاعتداء الجنسي على المحارم مثل الأخت أو الأم والبنت وقعت تحت تأثير الخمور.
وأما قول من قال: إن تناول القليل من الخمر مفيد للقلب، فيُقال فيه:
أولاًً: أثبتت البحوث الحديثة أن ما قيل عن فائدة الخمر للقلب، وتوسيعها للشرايين، ليس إلا خطأً كبيراً، فإن الخمر لا توسع الشرايين التاجية المغذية للقلب كما كان موهوماً من قبل، وإنما توسع الأوعية الدموية الموجودة تحت الجلد، في حين أنها تضيق الشرايين التاجية، وذلك بترسيب الدهنيات والكوليسترول في جوفها، وبذلك تساعد على جلطات القلب والذبحة الصدرية، وخاصة مع التدخين، الذي يُساعد على انقباض الشرايين وتضييق مجراها.
وللخمور تأثير على عضلة القلب ذاتها، حيث تصيبها بالتسمم والاعتلال الوظيفي، خاصة بعد تناول البيرة (خمر الجعة) الحاوية على الكوبالت، كما يصاب القلب بالالتهاب نتيجة استنزاف (ف ب1) أثناء حرق الكحول.
ثانياً: إن هذه الفائدة والمنفعة الموهومة للقلب، يمكن الحصول عليها من غير الخمر التي زاد إثمها وضررها على خيرها ومنفعتها.
ثالثاً: قد قيل ـأيضاًـ إن ما يُذكر من منفعة الخمر للقلب، إنما سببها الفواكه والمواد التي اشتقت منها الخمر، مثل العنب والتفاح وغيرها، وعلى هذا يمكن الحصول على هذه المنافع من هذه الأغذية في صورتها التي أحلها الله من غير تخمير لها.
رابعاً: موازنة تلك الفائدة للقلب -إن صح أنها كذلك- بالمفاسد العظيمة المدمرة لصحة الإنسان، والتي يمكن الوقوف عليها بمراجعة أي مرجع طبِّي يتحدث عن إدمان الكحول، وآثاره المدمِّرة على الإنسان.
خامسًا: أثبتت الدراسات أن الخمر يسبب الإصابة بالسرطان، وبأمراض أخرى..
ولو ترك الأمر إلى الاختيار فإن ضرر تعاطي الخمور وآثارها المدمرة لا يقتصر على متعاطيها وحده، حتى يُترك له الأمر يختار في خاصة نفسه ما يشاء، وإنما يصل ضررها إلى كل أفراد مجتمعه، فالأمراض الناجمة عن الإدمان إساءة وإضعاف للمجتمع كله، الذي هو عبارة عن مجموعة من الأفراد ونقصان إنتاجية المدمن بسبب مرضه، ضرر على غيره، والميزانية المستهلكة في علاجه ضرر أيضاً على غيره، ناهيك عن الجرائم الناتجة عن الإدمان، جاء في تقرير لمنظمة الصحة العالمية عن جرائم العنف في 30 دولة من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا، إن 86% من جرائم القتل و 50% من جرائم الاغتصاب، تمت تحت تأثير الخمور.
والإحصائيات حول ذلك في مختلف دول العالم كثيرة وشهيرة، وأما حوادث السير والطرق فهي أشهر من ذلك..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *