نزع القداسة عن النص القرآني عن طرق الدعوة إلى النقد الحر

من سمات أصحاب الفكر العلماني افتعال المشاكل من لا شيء؛ واختلاق الأزمات الفكرية التي لا وجود لها؛ ففي حين يرى المسلمون منذ بزوغ فجر الإسلام أن اليقين من أهم شروط صحة الإيمان لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات:15)؛ وأن تحققه في القلب هو الحد الفاصل بين الإيمان والنفاق حيث قال تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (الحديد:13)؛
يفتعل العلمانيون الآن الضجات الفكرية والإعلامية التي يطالبون فيها المسلمين بالتخلي عن ثوابت دينهم والشك فيها، بل وانتقاصها بتوجيه النقد إليها.
يقول محمد أركون: (نحن نريد القرآن المتوسل إليه من كل جهة والمقروء والمشروح من قبل الفاعلين الاجتماعيين (المسلمين) مهما يكن مستواهم الثقافي وكفاءاتهم العقائدية؛ أن تصبح موضوعا للتساؤلات النقدية المتعلقة بمكانته اللغوية؛ التاريخية والأنتربولوجية والثيولوجية والفلسفية، ونطمع من جراء ذلك إلى إحداث نهضة ثقافية عقلية وحتى إلى ثورة تصاحب الخطابات النضالية العديدة من أجل أن تفسر منشأها ووظائفها ودلالاتها، ومن ثم من أجل السيطرة عليه) (الفكر العربي قراءة علمية ص:246).
ويشرح أركون دوره في نقد الخطاب الديني ويحدده فيقول: (وهكذا -أي بعد محاولة خلف الله- بقي علينا مهمة صعبة ينبغي إنجازها ضمن منظور المساهمة في بلورة نظرية لتفسير الحكاية الأسطورية).
ويشرح المطلوب فيقول: (إن مجموع هذه النصوص يتطلب معاملة مزدوجة:
فأولا: ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الرواية القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس.
ثانيا: ينبغي القيام بتحليل التبيين كيف أن القرآن ينجز أو يبلور -بنفس الطريقةِ الفكرَ الأسطوري الذي يشتمل على أساطير قديمة مبعثرة- شكلا ومعنى جديدا) (الفكر العربي قراءة علمية ص:250؛ والجملة الاعتارضية من كلام المؤلف).
ويقول نصر حامد أبو زيد: (إن النص القرآني وإن كان نصا مقدسا إلا أنه لا يخرج عن كونه نصا، فلذلك يجب أن يخضع لقواعد النقد الأدبي كغيره من النصوص الأدبية) (مفهوم النص دراسة في علوم القرآن؛ لنصر أبو زيد ص:24).
ولا يخفى أن له كتابا كاملا بعنوان: نقد الخطاب الديني.
ويقول محمد عبد المعطي حجازي: (فلم يحدث أن تقاطعت طرقنا مع طرق الدين كما تقاطعت الآن، ولم يحدث من قبل أن بدا لنا هذا الخطاب رثا مستهلكا عقيما لا علاج له إلا بنقد جذري شامل، نتخلص فيه من ثمره الفاسد وأوراقه الصفراء وفروعه الجافة، وتقلب الأرض حوله لنستعيد صلتنا بجذوره).
أما د.محمد عابد الجابري فله رأي خاص في موضوع نقد القرآن وهو أنه ضروري لكن ليس وقته الآن.
حيث يقول: (لا الوضعية الثقافية والبنية الفكرية العامة المهيمنة؛ ولا درجة النضوجِ لدى المثقفين أنفسهم يسمح بهذا النوعِ من الممارسة الفولتيرية للنقد اللاهوتي، ولا السياسة تسمح. وبطبيعة الحال فالإنسان يجب أن يعيش داخل واقعه لا خارجه، حتى يستطيع تغييره).
ويقول عن خطته في هذا الصدد: (هناك من يرى أن من الواجبِ مهاجمة اللاعقلانية في عقر دارها؛ وهذا خطأ في رأيي؛ لأن مهاجمة الفكر اللاعقلاني في مسلماته؛ في فروضه في عقر داره يسفر في غالب الأحيان عن: إيقاظٍ، تنبيهٍ، رد فعلٍ، وبالتالي تعميم الحوار بين العقل واللاعقل، والسيادة في النهاية ستكون خاضعةً حتما للاعقل، لأن الأرضية أرضيته، والميدان ميدانه، والمسألة مسألة تخطيط) (التراث والحداثة ص:259).
وما يدعو إليه حتى لا تحدث ردة الفعل هذه؛ هو تأخير هذه المرحلة حتى يحين وقتها فيقول: (يجب علينا أن ننقد مفاهيمنا الموروثة -يمكن أن نمارس النقد اللاهوتي من خلال القدماء-؛ يعني نستطيع بشكل أو بآخر استغلال الحوار الذي دار في تاريخنا الثقافي ما بين المتكلمين بعضهم مع بعض؛ ونوظف هذا الحوار؛ لنا حرمات يجب أن نحترمها حتى تتطور الأمور؛ المسألة مسألة تطور) (التراث والحداثة ص:260).
وهذا يفسر كيف يبدأ العلمانيون معتزلة ثم ينتهون في بعض الأحيان زنادقة.
والمتصفح لهذه الأقوال يرى بوضوح إقرار العلمانيين أنفسهم بأن نقد الدين والوحي شيء شنيع غير ممكن في مجتمع يعظم الشعائر ويؤمن بإلاهية الوحي وعصمة الشريعة، ولهذا فهم يخططون ويقتربون بحذر من هذا الأمر، ولا شك في أن اعتقاد الإنسان بأن في القرآن نقصا أو خللا يمكن نقده مناقض للعقيدة الإسلامية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *