الغاية من علم التفسير هي البحث عن مراد الله تعالى لتطبيقه في شؤون الدين والدنيا وتبيينه للناس من أجل تعليمهم وهدايتهم.
وعليه فمدارسة علم التفسير والاهتمام به بمنهج السلف الصالح تعبر عن مرجعية صاحبها الدينية، والتي تنبني على الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله هذه المرجعية يحاربها العلمانيون لمعارضتها للمبادئ والأسس الفكرية العلمانية القائمة على إبعاد الدين عن شؤون الحياة؛ وإدارتها على أساس قيم وقوانين دنيوية محضة.
ولذا فقد اتفق أصحاب التيار الحديث من العلمانيين مع أسلافهم على ضرورة تنحية القرآن وأحكامه عن حياة الناس، وإيقاف تأثيره الرباني عليهم، وإفساد ثمار اتباعه المباركة؛ ولكن افترقوا عنهم في أسلوب الطرح. فبينما استخدم القدامى الأسلوب الصريح المباشر في الطرح؛ تخلى عنه تلامذتهم واستخدموا الأسلوب المموه -كما سبق- الذي يتكون من مرحتين:
1- مرحلة تخدير العواطف: بإنشاء المؤتمرات والندوات وكتابة المقالات التي تعظم القرآن وتدعو إلى التمسك بالفهم الصحيح للقرآن الكريم والإسلام الحقيقي؛ والتباكي على حال الإسلام والمسلمين الذين أساؤوا فهم دينهم وتطبيق أحكامه.
2- مرحلة الطرح العلماني (الإسلامي): وهي تبدأ بطرح الحلول لمشاكل المسلمين التي سبق التباكي عليها؛ فإذا بهذه الحلول هي عين العلمانية؛ وهو ادعاء أن الفهم الحقيقي للقرآن الكريم وهو ترك الدنيا للناس يديرونها كيف شاؤوا؛ في سياستها واقتصادها وسلمها وحربها؛ ولم يُلزم الناس إلا بالعبادة المحضة فقط، وبالتالي فهم يصلون إلى أسس المبدأ العلماني ولكن باسم الإسلام.
يقول د.نصر حامد أبو زيد: (آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا، علينا أن نقوم بها الآن وفورا، قبل أن يجرفنا الطوفان). (الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية ص:146).
ويقول في موضع آخر: (إن حل مشكلات الواقع إذا ظل معتمدا على مرجعية النصوص الإسلامية يؤدي إلى تعقيد المشاكل). (النص السلطة الحقيقة؛ ص:144).
ويقول: (إذا كان مبدأ تحكيم النصوص يؤدي إلى القضاء على استقلال العقل وتحويله إلى تابع يقتات بالنصوص ويلوذ بها ويحتمي؛ فإن هذا ما حدث في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية). (نقد الخطاب الديني ص:27).
وهذه المحاولات للهدم شملت كل معاني المرجعية السياسية التي أطلقوا عليها اسم (الحاكمية) أو الفردية أو الاجتماعية.
يقول نصر أبو زيد: (خطر الحاكمية ليس مقصورا على مستوى الدلالة السياسية بل يمتد عمقا في بنية الوعي الاجتماعي؛ بدءً من الأسرة؛ فتتحول المؤسسة الدينية -الأزهر- إلى حكم في شؤون الفكر والإبداع الفعلي والفني، وإن وجود جهاز للرقابة على الكتب والمصنفات الفنية والأدبية كارثة في حد ذاتها) (النص السلطة الحقيقة؛ ص:143).
ويقول حسن حنفي: (مهمة التراث والتجديد التحرر من السلطة بكل أنواعها؛ سلطة الماضي وسلطة الموروث؛ فلا سلطان إلا للعقل؛ ولا سلطة إلا لضرورة الواقع) (التراث والتجديد لحسن حنقي؛ ص:45).
ولا يخفى أن كلامهم يدور حول فصل الدين عن الحياة سياسة واقتصادا.. إلخ.
ولا عجب في وجود هذه الآراء الإلحادية عند العلمانيين الغربيين؛ لكن العجب أن تطلق هذه الدعوات ممن يؤلف الكتب في علوم القرآن والتفسير ويكتب في ذلك المقالات.
فلماذا نشغل أنفسنا بالقرآن وليس لنا مرجعية إليه؟
وما هو الهدف إذا من تأويل القرآن وفهم النص إذا كنا ننوي ألا نعمل به؟
أرى أن الإجابة واضحة لكل ذي لب؛ وهي أن العلمانيين لم يشغلوا أنفسهم بذلك إلا ليلبسوا على الناس دينهم ويضلوهم ويزينوا لهم طريق الإلحاد.
وما أشبه الليلة بالبارحة؛ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: “لتتبعن سنن الذين من قبلكم، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم”.
قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟
قال: فمن؟ (رواه البخاري ومسلم).
بالأمس قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: {قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (الأعراف:138).
يقول العلمانيون اليوم: اجعلوا لنا آلها ولا نرضى بالله ربا ولا معبودا؛ حررونا من عبودية النصوص، وما النصوص والعمل بما فيها إلا عبودية لله، وما عبودية الله تعالى إلا الإسلام بعينه.
فهلا قلتم: خلصونا من الإسلام؟!!