السياسة التعليمية بالمغرب محطات وأعطاب الإصلاح مصطفى محمد الحسناوي

مر النظام التعليمي المغربي بعدة إصلاحات بعد الاستقلال الذي حصل عليه المغرب سنة 1956، فكانت البداية سنة 1957 مع الإصلاح المعروف بالمذهب التعليمي، ثم الإصلاح المرافق للمخطط الخماسي 1960/1964 ثم انتظر المغاربة سبع سنوات من أجل أن يصبح التعليم إلزاميا للفئة العمرية بين 7 و13 سنة 1963.
فمحطة المذهب التعليمي الجديد المنسوب لوزير التعليم الدكتور بنهيمة 1966، ثم سياسة التقويم الهيكلي منذ 1983 والإصلاح المرغم أو الرسمي الذي انطلق سنة 1985.
وفي 1990 أعيدت هيكلة النظام التعليمي ليتكون من تسع سنوات من التعليم الأساسي و3 سنوات من التعليم الثانوي ثم الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي انطلق سنة 2000.
وإصلاح 2004 حيث تمت إعادة هيكلة التعليم الثانوي وأخيرا البرنامج الاستعجالي 2009/ 2012 بغرض تفعيل بنود الميثاق الوطني على أرض الواقع.
كل تلك الإصلاحات والبرامج لم تستطع أن ترتفع بالمغرب إلى مستوى محترم في التعليم، وظل يراوح مكانه في مؤخرة الترتيب بين مصاف الدول المتخلفة.
ولعلنا نجمل أسباب فشل كل محاولات الإصلاح تلك في:
أولا: التحول الجذري الحاصل في المنظومة التربوية والتعليمية في مغرب ما بعد الاستقلال، حيث انتقل التعليم من مؤسسات الأمة ومحاضنها من علماء ومربين، إلى قبضة لسياسة ورجال الدولة، فحينما خرجت المنظومة من أحضان الأمة وسلكت طريقا شاقا وملتويا في سياق اختيارات النظام السياسي الحديثة لم تصبح ذات قضية كبرى، لتصبح متقلبة بين آليات تقنية وإدارية وتنظيمية وتسييرية، ولم يقف التحول عند هذه الإجراءات التي يمكن أن نسميها إدارية أو تنظيمية بل تعداها إلى المحتوى والفلسفة والأبعاد والأهداف، حيث أصبحت المنظومة ككل متأثرة بالمنظومة الغربية شكلا ومضمونا، لخدمة أهداف سياسية وأيديولوجية، وهذا يقودنا لسبب آخر من أسباب الفشل وهو؛
ثانيا: التباس العلاقة بين القرار التربوي للقرار السياسي وتنفيذ الإصلاح عن طريق المراسيم والمراسلات والمذكرات، حيث أصبح القرار السياسي حاكما على القرار التربوي، من أجل تمرير رسائل أو تحقيق أهداف ومكتسبات أو تصفية حسابات إيديولوجية لا علاقة لها بأهداف ومقاصد المنظومة التربوية والتعليمية، وهكذا أصبح التعليم ساحة صراع وتجارب بين النظام السياسي والقوى السياسية المتصارعة، ولعل صياغة ما سمي بـ”الميثاق الوطني للتربية والتكوين” خضعت لهذا تماما بحيث انضاف إلى الصراع الداخلي بين مكونات الميثاق السياسية وغيرها استحضار تصاعد الحركة الإسلامية، مما جعل أهداف الميثاق الحقيقية غامضة وملتبسة ولا علاقة لها بقضايا التربية والتعليم حقيقة.
ثالثا: إحساس المسؤولين عن هذا القطاع وهذه الإصلاحات بالأمان والحصانة، مع تغييب المعنيين المباشرين بالإصلاح، ويعكس ذلك مثلا تكليف أحد التكنوقراطيين بصياغة ميثاق التربية والتكوين بعيدا عن الحكومة والبرلمان والمعنيين والمتخصصين، فتم رهن حاضر المغرب ومستقبله التعليمي بيد رجل لا مجال لمحاسبته أو مساءلته.
رابعا: الخضوع لتوصيات وتقارير المنظمات الدولية، ونمثل أيضا بميثاق التربية والتكوين وأيضا بالمخطط الاستعجالي للتربية والتكوين، حيث تم إنجاز المشروعين تحت الاهتداء ليس بتوجيهات البنك الدولي وإرشاداته بل بأوامره وتوصياته.
ختاما هذه مجرد إشارات لا أزعم أني نفذت فيها لعمق الأزمة، لكنها إشارات تؤكد وتوضح بجلاء أن ما يقوم به الساهرون على الشأن في هذه البلاد من تخبط وتكرار وعبث، وإصلاح ثم إصلاح الإصلاح فإصلاح إصلاح الإصلاح، في دوامة لا تنتهي، خلق لنا أزمة مستدامة عوض تنمية مستدامة، ويؤكد أيضا أن النية في البداية لم تكن هي الإصلاح بل إيجاد أجيال ضائعة تائهة فاشلة متغربة، والسعي من أجل تحقيق الفشل وحجز رتب ومقاعد بين جيبوتي واليمن وباقي الدول المحتلة والمتخلفة، هي سياسية مقصودة. لأجل ذلك نقول أن القائمين على هذه السياسات وهذه المشاريع لم يفشلوا بل حققوا أهدافهم بنجاح، والواقع بعد أزيد من نصف قرن من الجد والمثابرة يشهد على ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *