دوركايم علم الاجتماع مستمدًا من نظرية التطور2/2

تطرقنا في المقال السابق إلى الكلام عن دور إميل دوركايم في بناء صرح اللادينية؛ إلا أننا لم نستطع إكمال ذلك؛ وهذا أوان الشروع في المقصود.

فبناء على ما سبق ذكره من أنه لا وجود لتفاصيل القواعد القانونية والخلقية في ذاتها فليس من الممكن تبعاً لهذا الرأي أن تصبح مجموعة القواعد الخلقية التي لا وجود لها في ذاتها موضوعاً لعلم الأخلاق.
هكذا لا يعترف دوركايم بأن الحياة البشرية -ذات الصفة الاجتماعية- يمكن أن تفسر عن طريق نفسية الفرد وطبيعته وكيانه الفردي، إنما يفسرها وجود العقل الجمعي، خارج نطاق الأفراد.
ولو حاولنا أن نختصر مذهب دوركايم لوجدناه يركز على ثلاثة أسس:
1- عقل جمعي عشوائي خارج عن شعور الأفراد.
2- هذا العقل يصدر أوامره على شكل ظاهرة اجتماعية تتقلب وتتغير بطريقة غير منطقية.
3- هذه الظاهرة تقهر الأفراد وتخضعهم لسطوتها شعروا أو لم يشعروا.
ثم إن بيت القصيد في مذهب دوركايم هو تطبيق هذه الأسس الوهمية على الدين وما يتصل به من عقائد وأخلاق، ويتلخص هذا التطبيق في ثلاث قضايا:
1- أن الدين ليس إلهياً لأن فكرة الألوهية – في نظره- ليست إلا تعبيراً عن البيئة الاجتماعية في مرحلة من مراحل تطورها.
2- أن الدين -بناء على ما سبق- ظاهرة اجتماعية يفرضها العقل الجمعي بقدرته القاهرة على الأفراد في بعض البيئات والمراحل، دون أن يكون لهم حرية اختيار في ذلك، وهذا يعني أنه لو فرض عليهم -أحياناً- ألا يكون لهم دين مطلقاً لكانوا غير متدينين ولا يملكون إلا الانصياع لذلك.
3- ثم يصل دوركايم إلى القول بأن الدين ليس فطرياً، ومثله الأخلاق والأسرة، وذلك رأي اقتبسه علماء الاجتماع التالون له وعمموه في أبحاثهم، دون أن يدرك هؤلاء أو بعضهم الدافع اليهودي لدى دوركايم لأن يقول به.
يقول دور كايم: “ومن هذا القبيل أن بعض هؤلاء العلماء يقولون بوجود عاطفة دينية فطرية لدى الإنسان، وأن هذا الأخير مزود بحد أدني من الغيرة الجنسية والبر بالوالدين وصحبة الأبناء وغير ذلك من العواطف، وقد أراد بعضهم تفسير نشأة كل من الدين والزواج والأسرة على هذا النحو.
ولكن التاريخ يوقفنا على أن هذه النزعات ليست فطرية في الإنسان، وعلى أنها قد لا توجد جملة في بعض الظروف الاجتماعية الخاصة، ولذا فهذه العواطف المثالية نتيجة للحياة الاجتماعية وليس أساساً لها، أضف إلى ذلك أنه لم يقم برهان قط على أن الميل للاجتماع كان غريزة وراثية وجدت لدى الجنس البشري منذ نشأته، وأنه من الطبيعي جداً أن ينظر إلى هذا الميل على أنه نتيجة للحياة الاجتماعية التي تشربت بها نفوسنا على مر العصور” (قواعد المنهج في علم الاجتماع، دور كايم، ص:219).
ورغم أن دور كايم لم يكن له نفس الأثر في نفوس الشعبية الأوروبية كماركس وفرويد، وذلك بسبب طبيعة الطبقة التي يخاطبها إلا أن مذهبه هو من أكبر المذاهب الاجتماعية الغربية، ولا يزال له أثر عظيم في الدراسات المعاصرة. (انظر: كتاب المجتمع، لماكيفر وزميله، ص:16-17).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *