أولا: وجود الله عند أرسطو
اعتمد أرسطو على الحركة في إثبات وجود الله فقال: (إن كل متحرك لا بد له من مُحرِّك، وهذا المحرك لا يمكن أن يحتاج إلى محرك آخر يستمد حركته من غيـره، وإلا لتسلسل الأمر إلى غير نهاية؛ فلا بد من أن ينتهي الأمر إلى محرك أولي أزلي يُحرِّك ولا يتحرك، أو يفعل في غيره ولا ينفعل بغيره، وإلا لَمَا كان أولا، وذلك المحرك الأول هو الله).
فالله عند أرسطو هو العلَّة الأولى، أو المحرك الأول؛ يقول: (فلا بد لهذه المتحركات من محرك، ولا بد للمحرك من محرك آخـر متقدم عليه.. وهكذا، حتى ينتهي العقل إلى محرك بذاته، أو محـرك لا يتحـرك، لأن العقل لا يقبل التسلسل في الماضي إلى غير نهاية).
ثانيًا: قدم العالم
إن القـول بقـدم العـالم وأزليـة الحركـات بعـد إثبـات الصانع والقول بالعلَّة الأولى إنما شهر بعد أرسطو لأنه خالف القدماء صريحًا، وأبدع هذه المقالة على قياسات ظنها حجة وبرهانًا، فنسج على منواله من كان من تلامذتـه وصـرحوا القـول فيـه مثـل: (الإسكندر الأفروديسي، وثامسطيوس، وفورفوريوس.(
يقول أرسطو: (وهذا المحرك الذي لا يتحرك لا بد أن يكون سرمدًا، لا أول له ولا آخر، وأن يكون كاملا منزهًا عن النقص والتركيب والتعدد، وأن يكون مسـتغنيًا بوجوده عن كل موجود).
وهذا المحرك سابق للعالم في وجوده، سبق العلـة لا سـبق الزمان، كما تسبق المقدمات نتائجها في العقل، ولكنها لا تسبقها في الترتيب الزمني؛ لأن الزمان حركة العالم فهو لا يسبقه، أو كما قال: (لا يُخلَق العالم في زمان.(
وعلى هذا، يقول أرسطو بقدم العالم على سبيل الترجيح الذي يقارن اليقين، إلا أنه يقرر فـي كتاب “الجدل”: (أن قدم العالم مسألة لا تثبت بالبرهان) .
براهينه في قدم العالم:
إن إحداث العالم يستلزم تغييرًا في إرادة الله، والله منزه عن الغير؛ فهـو إذا أحدث العالم فإنّما يحدثه ليبق الله جل جلاله كما كان، أو يحدثه لما هو أفضـل، أو يحدثه لما هو مفضول.
وكل هذه الفروض بعيدة عما يتصوره أرسطو في حـق الله؛ فإذا حدث العالم وبقي الله كما كان، فذلك عبث والله منزه عن العبـث، وإذا أحدثـه ليصبح أفضل مما كان؛ فلا محل للزيادة على كماله، وإذا أحدثه ليصـبح مفضـولا؛ فذلك نقص يتنزه عنه الكمال !
ويضيف أرسطو: (وإذا كانت إرادة قديمة لا تتغير؛ فوجود العالم ينبغي أن يكون قديمًا كإرادة الله؛ لأن إرادة الله هي علة وجود العالم، وليست العلة مفتقرة إلى سبب خارج عنها؛ فلا موجب إذًا لتأخر المعلول عن علته، أو لتأخر الموجودات عن سببها الذي لا سبب غيره.
فالإنسان يجوز أن يريد اليوم شيئًا ثم يتأخر إنجازه، لنقص الوسـيلة أو لعارض طارئ أو لعدول عن الإرادة، وكل ذلك ممتنع في حق الله تعالى.(!!
وقد أفرط أرسطو في هذا القياس، حتى قـال: (إن الله -جـل وعـز- لا يعلـم الموجودات، لأنها أقل من أن يعلمها، وإنما يعقل الله أفضل المعقولان وليس أفضل من ذاته، فهو يعقل ذاته، وهو العاقل والعقل والمعقول، وذلك أفضل ما يكون!!).
بقي لنا أن تكلم عن صفات الله تعالى عند أرسطو؛ وهو ما سنتعرض له في الحلقة القادمة بحول الله وقوته.