ما السر وراء تنكر أوروبا لقيمها وإعلانها الحرب على النقاب؟ عبد الله الزناسني

رغم الحرب الضروس المعلنة على النقاب داخل البلاد الإسلامية وخارجها؛ وحملة التشكيك الواسعة حول شرعية هاته الشعيرة الموافقة للفطرة والعقل؛ يزداد يوما بعد آخر عدد المقبلات على ارتدائه؛ لا داخل بلاد الإسلام وحدها فحسب بل حتى داخل الدول الغربية أيضا.

وبالنظر إلى أهمية لباس المرأة المسلمة والقيم المرتبطة به أخلاقيا واجتماعيا واقتصاديا أصبح الغرب يضيق ضرعا بهذا اللباس أكثر من أي وقت مضى؛ وباتت مشاهد التضييق على المحجبات والمنقبات واضحة للعيان.
كان آخره هاته المضايقات القانون الذي أقره البرلمان البلجيكي مؤخرا والقاضي بحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة بما فيها الشوارع؛ وأن أي شخص “يظهر في الأمكنة العامة مقنع الوجه أو وقد أخفى وجهه جزئيا أو كليا، بلباس يجعل التعرف عليه متعذرا” يعاقب بالغرامة المالية والحبسية التي تصل إلى 7 أيام سجنا، واستثني من ذلك “التظاهرات الاحتفالية مثل الكارنفالات، إذا ما صدرت تراخيص بشأنها من السلطات البلدية”.
وصوت النواب البلجيكيون من كل الأطياف السياسية في إجماع نادر بغالبية 136 صوتا في حين امتنع نائبين عن التصويت، ومن المقرر أن يصوت مستقبلا مجلس الشيوخ على مشروع القانون.
ولئن كان بعض النواب البلجيكيين قد حاول تعليل القانون الذي يطال الحرية الفردية لهؤلاء النسوة بالمحافظة على الأمن؛ فقد صرح نواب آخرون دون مواربة -كالنائب الليبرالي بارت سومرس- أن النقاب “سجن متحرك” يشكل “سلوكا يعود إلى القرون الوسطى”؛ و”أنه الشكل الأكثر ظهورا من التعديات على حقوق الإنسان”.
يشار إلى أن ارتداء النقاب يعد محدودا جدا في بلجيكا؛ فحسب تقرير للحكومة البلجيكية فإن عدد المسلمات اللواتي يرتدين النقاب يتراوح بين 300 و400 امرأة أغلبهن بلجيكيات اعتنقن الإسلام، في حين أن عدد المسلمين يقدر بنحو 281.000 مسلم، ويشكلون ما نسبته 3% من مجموع السكان.
وعلى صعيد مواز ستعرض الحكومة الفرنسية في 19 من شهر ماي الجاري مشروع قانون لحظر النقاب في كل الأماكن العامة في سائر أنحاء البلاد بما فيها الشوارع؛ لأنه -وحسب ما صرح به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي- فإن كرامة المرأة لا تتجزأ.
وقد عزى قاسي عز الدين رئيس المجلس الجهوي للديانة الإسلامية لرون ألب بمنطقة ليون وضواحيها افتعال فرنسا لقضية النقاب وترقيتها إلى مستوى قضية وطنية تستدعي سن قانون خاص لمنع ارتدائه إلى سعي الحكومة الفرنسة إلى تأليب الرأي العام ضد المسلمين؛ وخلق جو من الإسلاموفوبيا لتغطية التناحر بين اليمين واليسار؛ والعجز عن حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة وانتشار البطالة التي بلغت 10% وسط الفرنسيين و50% وسط المهاجرين، وأنه كلما اشتدت المشاكل أخرج السياسيون وصفاتهم القديمة المعروفة بإثارة قضايا الإسلام والهوية الوطنية والأمن والإرهاب. خاصة إذا علمنا أن عدد المنقبات في فرنسا يبلغ 365 امرأة، معظمهن من أصل فرنسي، تنقبن بعد اعتناق الإسلام؛ حسب ما كشف عنه تقرير أعدته وزارة الداخلية الفرنسية.
يبدو جليا أن أوروبا حائرة اليوم في كيفية التعاطي مع ملف اندماج المسلمين في ثقافتها وقيمها العلمانية؛ وأن هؤلاء النسوة اللائي اخترن ارتداء النقاب طوعا من غير إكراه ورفضن الانصهار في منظومة القيم والأخلاق الغربية وعاداتها الاجتماعية؛ أصبحن يشكلن خطرا عن قيم العلمانية ومبادئها؛ ويهددن باحتمال المطالبة بسن فرائض إسلامية أخرى؛ وتنشئة جيل أوروبي جديد متشبع بالعقيدة والقيم والأخلاق الإسلامية؛ إضافة إلى أن انتشار الحجاب ومظاهر التدين بين صفوف الأوروبيات يهدد المنظومة العلمانية على أكثر من صعيد؛ ويضمن تواجدا دائما للتدين داخل الشارع الأوروبي؛ ويدفع الكثير ممن لم يسبق لهم التعرف على الإسلام إلى التساؤل حول هذا اللباس ومرجعية أصحابه؛ وفي ظل الإباحية المنتشرة هناك والوضعية المزرية التي باتت تعاني منها المرأة الغربية؛ والقوانين العبثية المؤطرة لها؛ فإن الإقبال على الإسلام لا شك سيتزايد.
إن ما أقدمت عليه بلجيكا اليوم وتسعى إليه فرنسا غدا؛ وسيتبعها على ذلك لا محالة دول أوروبية أخرى؛ من اضطهاد ومنع لحقوق الأقليات؛ يكشف لنا مدى حقيقة شعارات الحرية التي يتغنى بها أبناء الثورة الفرنسية؛ وأنها مجرد شعارات ملتبسة لما هددت تطبيقاتها أساس عقيدتهم العلمانية انتهكوها بالإجماع، فهم لم يتحركوا صونا لكرامة المرأة أو حفاظا على حقوقها، بل تحركوا لأنهم يعتبرون النقاب مظهرا خارجيا لقناعات دينية واعتقادية تناقض مبادئ العلمانية الإباحية وتهددها، لهذا نراهم يبيحون العري الفاضح الذي يتناسب مع الحرية المتسيبة؛ ويمنعون النقاب الساتر عنوان العفة والحشمة، كما يبيحون تعدد العشيقات الذي يتناسب مع نظرتهم الإباحية الاستغلالية للمرأة، ويمنعون تعدد الزوجات لأنه يضمن المتعة ويبقي على الأخلاق وقيم العفة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *