نمط اللباس من جملة الحياة الإسلامية المستهدفة من طرف الرأسمالية الغربية؛ التي تنظر إلى المجتمعات الإسلامية على أنها أسواق يجب أن تستوعِب ما تنتجه آلات مصانعها، لهذا وجب -من وجهة نظرها- إعادة تشكيل أذواق المسلمين ميولاتهم واختياراتهم.
فهاجس المحلات التجارية في ظل غياب الرقابة الأخلاقية هو الربح المادي فحسب، لذا نجد شركات الأزياء العالمية الممثلة في المغرب بمجموعة من المحلات التجارية الكبرى تستعد مع قدوم كل فصل صيف جديد لتقديم ما استجد في عالم “الموضة” والأزياء وتسويقه داخل بلدنا دون أي اكتراث أو اعتبار لقيم المجتمع وثقافته وخصوصيته الدينية.
ومَن يقوم بجولة في شوارع الرباط والبيضاء ومراكش وأكادير وطنجة.. يكتشف الكم الهائل من دور الأزياء المشهورة عالميا والذي أصبح في تزايد مستمر، علما أن القوة الشرائية للمواطن المغربي متدنية جدا، بحيث يبلغ ثمن بعض المعروضات مُرَتب موظف في أعلى السلالم الإدارية.
ليتبين بذلك أن المستهدف طبقة يرجى أن تلعب دور القدوة والأسوة حتى يمعَن في تغير نمط اللباس عند المواطن المغربي، أما الفقراء والمعوزون فعليهم أن ينبشوا في أكوام الألبسة المستعملة المستوردة “البال” حيث يمكن للفتاة أن تشتري بمبلغ 50 درهما أو أقل لباسا يكشف عن معظم جسدها.
وبذلك تحولت الشوارع والمصطافات الوطنية إلى معارض لمنتجات اللباس والزينة الغربية تتكشف فيها العورات والسوءات، ويصعب معها التميز بين النساء المغربيات والغربيات خلال هذا الفصل، لأن بعض نسائنا اجتهدن تأسياً بالأوروبيات والأمريكيات في أن يظهرن مفاتنهن دون أي اعتبار لدين الإسلام، أما الشواطئ فيبلغ العري فيها مداه، ويقتصر فيها الستر على العورة المغلظة فقط.
وتتعلل كثير من النساء اللاتي يتخففن من اللباس خلال هذا الفصل بعدم القدرة على تحمل لهيب الحرارة المرتفعة!
ورحم الله أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تصف لنا امتثال المسلمات الأوَل إبان نزول آية الحجاب في الجزيرة العربية الملتهبة الحرارة (56 درجة) قائلة: “رحم الله نساء المهاجرات الأول، لما نزلت “وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ” شققن مروطَهُن فاختمَرن بها” البخاري.
وفي مقابل هذه الانتكاسة الأخلاقية تعيش كثير من الأسر المغربية المتدينة صراعا مريرا ضد الغزو الغربي الزاحف؛ وتتقزز من المناظر المخزية والمشينة التي تعرفها شواطئ المملكة؛ ولا تجد شاطئاً تنعم فيه مع أسرتها بالعطلة الصيفية، ومن أراد منها مصطافا بحريا يستجيب والظروف الشرعية فعليه أن يبحث عن شاطئ مهجور ينعدم فيه شرط الأمان.
فإذا كانت الأسر المغربية المحافظة على دينها وقيمها وهويتها التي لا ترى جواز الذهاب إلى الشواطئ المختلطة تفوق بكثير تلك التي ترتادها، فلم لا توفر شواطئ تراعى فيها الحدود الشرعية؛ ويمنع فيها التعري وكل ما يخل بالحياء العام؟
ألسنا في بلد مسلم يحرم فيه أن تكشف العورات في الشوارع والشواطئ؟
أليس هذا العري المنتشر في الشوارع والمدارس والمسابح والشواطئ، والذي تعمل وسائل الإعلام العلمانية جاهدة على تطبيعه يخالف في الصميم المذهب المالكي؟
ألا يعتبر القانون المغربي الإخلال بالحياء العام جريمة يعاقب عليها؟
ألا يمس العري الذي باتت تطفح به شوارع بلدنا الأمن الروحي والأخلاقي للمومنين والمومنات؟
إن الوزارة المكلفة بالشؤون الإسلامية تتحمل المسؤولية أمام الله وأمام من يتضرر أبناؤه وبناته من هذا العري الفاضح، فكيف يمكن لمن يريد أن يربي بناته وأبنائه على العفة والحياء أن يتعايش مع واقع غلب عليه العري المهيج للغرائز والشهوات، والمزين لاقتراف الرذائل والموبقات؟ مما يجعل من يريد تطبيق الشرع في نفسه وأولاده يعيش صراعا مريرا، ومعاناة كبيرة.
وللأسف الشديد فالعري بصفة عامة؛ وعري الشواطئ وما يصاحبه من تناول للخمور والمخدرات بصفة خاصة؛ يتم في أماكن عمومية توفّر لها الحماية من طرف مختلف مؤسسات البلاد بل تساهم فيها عبر الأنشطة التي تسمى تزيينا ثقافية، كما توفر لها مجالس المدن والبلديات الظروف الملائمة حتى يتم فيها الاستمتاع بما حرم الله على الوجه الذي يريده من استزلتهم شياطين الإنس والجن.
ولنستمع جميعا إلى ما قاله القاضي عياض رحمه الله في ترتيب المدارك (3/86) في ترجمة أبي علي الحسن بن نصر السوسي المالكي؛ قال: “وكان يأمر أن يمشى على شاطئ البحر والمواضع الخالية، فإن وجدوا رجلا مع غلام حَدَث أتوا بهما إليه، فإن لم تقم بينة أنه ابنه أو أخوه، وإلا عاقبه”.
فماذا سيكون رأي القاضي عياض لو رأى شواطئنا الماجنة، فرأى نساء ورجالا عراة مستلقون تحت أشعة الشمس..غافلين عن مستقبل قريب لا ينفع الإنسان فيه مال ولا بنون، يحاسب فيه عن شبابه فيما أبلاه..؟
إن المسؤولية عن المستوى البهيمي الذي وصلنا إليه من سفور وعري فاق تبرج الجاهلية الأولى ملقاة على عاتق كل المسؤولين في البلاد، فلا حماية للأعراض دون ستر وعفة وحياء؛ فإن شجعنا أسباب الفاحشة والفجور فلا معنى بتاتا لتجريمنا للخيانة الزوجية والزنا واللواط…