العزة بدين الله تعالى

المؤمن عزيزٌ بإسلامه، قويٌّ بإيمانه، يستمدُّ قوَّته من إيمانه بربّه وأنّه ربُّ كل شيء ومليكه، يستمدّ ذلك من إخلاص العبادة لله، يستمدّ ذلك من إيمانه بملائكة ربّه، وإيمانه بكتبه، وأعظمُها القرآن الذي يعمل به ويسير على نهجه، بإيمانه برسل الله، وعلى رأسهم سيّدُهم وأفضلهم محمدُ بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، فإيمانُه به يقتضي محبتَه وطاعته والانقياد لشريعته. يؤمن باليوم الآخر، وبما أخبر الله به عما سيكون في ذلك اليوم، فهو يؤمن بالجنة والنار، ويؤمن بكلّ ما سيكون في ذلك اليوم من الجزاء والحساب. إنه مؤمنٌ بقضاء الله وقدره، وأنَّ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، إيماناً جازماً لا شكَّ فيه.

هكذا المؤمن في هذه الدنيا يستمدُّ القوةَ والعزَّة من هذا الإيمان الذي شرَّفه الله به، وتفضَّل به عليه، واختاره فجعله من المؤمنين، وهو يتذكّر دائماً قولَ الله: (وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإيمَـٰنَ وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلرشِدُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
إذًا فهو يتصوَّر هذه النعمة نعمةَ الإيمان، هذا الفضل العظيم هدايةَ الله له بأن جعله من المؤمنين، بأن شرح صدره لقبول الحق، (أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مّن رَّبّهِ).
فالمؤمن عزيزٌ بهذا الإسلام، فخورٌ به دائماً وأبدا، يُظهر شعائره، ويطبِّق أوامره، ويبتعد عن نواهيه، ويقف عند حدوده، ويتخلَّق بأخلاق دينه ظاهراً وباطناً، لا يخشى أحداً، ولا يهمّه لمزُ اللامزين، ولا عيبُ العائبين، ولا سخريةُ الساخرين، فإن سخروا منه قال كما قال نوح عليه السلام: (إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) .
إنه يعلن دينَه، يعلن شعائرَ إسلامه، ويحافظ على ذلك تحت أيِّ سماء تظلّه في أيّ مكان، لا يخشى إلا الله، يرى نفسَه عزيزاً قويًّا بهذا الدين الذي شرَّفه الله به، وأعزَّه به، ورفع شأنَه به، فإن الرفعة عند الله إنما هي بالهداية إلى الطريق المستقيم، فمن هداه الله بهذا الدين فقد أكرمه وشرَّفه وفضَّله، ومن حيل بينه وبين هذا الدين فقد أذلَّه الله وأهانه، (وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء).
وعليه فلا تضعف أيها المسلم شخصيتك أمام الأعداء ومن تبعهم من أهل جلدتنا، وتخجل من الالتزام بآداب وأحكام الإسلام، بل المسلم يظهر التزامَه بالإسلام، وعمله به، وتمسّكه المتين، يرضى من يرضى، ويأبى من يأبى، لا يهمُّه ذلك، لأنَّه على طريقٍ مستقيم، وعلى منهج قويم، على صراط الله المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
فأعداؤك ومرضى القلوب أيها المسلم قد يلمِزونك إذا رأوا تمسّكَك بالدين، إذا رأوا محافظتَك على أخلاق إيمانك وقد يُسمعونَك ما تكره، وقد يعيبون عليك ويضحكون، وقد يقولون ويقولون، ولكن المؤمن لا يهمُّه شيء من ذلك، بل هو يرفع هذا الدين، ويعلي شأنه، ويظهر أعماله، ويظهر أخلاقه، ويعامل الناس على وِفق ما تعلمه من دينه.
فالمسلم داعٍ إلى الله بأقواله وأعماله، فالأقوال صادقة، والأعمال صالحة. عندما ينظر الناسُ إليه يجدون الصدقَ في المعاملة والأمانةَ ، يجدون النفس الطيبة، والمؤمنَ التقي الذي احترم نفسه وتمسك بإيمانه، فما تزال تلك أخلاقَه حتى يعرف الناسُ منه ذلك، فُيحترَم ويُقدَّر مهما تكن الأحوال، لكن الأسف الشديد على بعض أبنائنا وبناتنا من المسلمين -هدانا الله وإياهم- يوجد عند بعضهم انهزامية، انهزامية شديدة، وضعفٌ في الشخصية، وهذا أمر مشين.
فالدينُ الذي شرفك الله به مطالب بأن تدعوَ الناس إليه بالقول والعمل، وأن ترغِّب الناس فيه، داعياً إلى الخير بالحكمة والبصيرة، لكن الشرط المؤثر في نفوسهم أن يروا منك تمسكاً بدينك، وأن يشاهدوا منك ثباتاً عليه، وبقاءً على مسلَّمات إسلامك، أما أن تشاركَهم في أمورهم وأحوالهم، وتبتعدَ عن دينك وتنسى ذلك، فذاك عيب عليك وشماتة على الإسلام وأهله.
فاحذر أيها المسلم أن تذوبَ شخصيتُك أمام أعداء دينك، اثبُت على إسلامك، واستقِم على دينك، وحافظ على أبنائك وبناتك، واحذر أماكنَ الفساد والرذيلة، وترفَّع عنها، فذاك خير لك وأتقى، واحرص على عفَّة نفسك وسموّ أخلاقك وثقتك بإسلامك.
فاتق الله في دينك، وإياك والانجراف والانحراف مع أهل الفساد والضلال، فتخسر دينك ودنياك، وإياك أن تنغمس في الرذائل، وأن تصحبَ من لا خير فيه، ومن لا تفيدك صحبتُه إلا شراً وبلاء. اتق الله في دينك، اتق الله في إيمانك، اتق الله حيث كنت وأينما كنت، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في وصيته لمعاذ: (اتق الله حيث ما كنت)، أيَّ أرضٍ كنت فيها، وأيَّ مجتمع كنتَ فيه، فالزم تقوى الله، لا تتأثر بأيّ مؤثّر، بل تؤثّر إن شاء الله تعالى على غيرك، وتدعو غيرَك وتوجّهه، وتنصح لله وفي سبيل الله بذلك تتجلى صورة العزة بدينك فالزم رحمك الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *