مهزلة التقريب الدكتور رشيد نافع

لم أجد شيئا يحز في نفسي ويثير فيها الشجون الكامنة مثل ما مرت به الأمة الإسلامية من حوادث ومآسي، تعرضت لها عبر القرون الماضية منذ ذر قرن الفتنة في أواخر أيام عثمان رضي الله عنه وحتى الآن.
فلقد استهدف الإسلام والمسلمون طيلة أربعة عشر قرنا مضت، لأخبث فنون المكر والدس، والتآمر ولحروب ضارية، تضافرت على وضع مخططاتها كل قوى الشر والعدوان الآثمة، فمن حروب سافرة امتازت بوحشية لم يعرف لها التاريخ مثيلا؛ إلى حروب مقنعة؛ إلى تزوير للحقائق وتشويه للمبادئ؛ إلى أراجيف مغرضة؛ إلى غير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره.
ولولا ما في الدين الإسلامي من قابلية للخلود، وما في تعاليمه من مناعة ذاتية جبارة، لذابت الأمة الإسلامية في خضم الشعوب، ولكان الدين الإسلامي من إحدى أساطير التاريخ، ولكن مشيئة الذي منَّ علينا بالإسلام اقتضت أن تجعل من أساس هذا الدين نورا لا تطفئه الأعاصير، وقوة لا تنال منها المحن.
كما اقتضت رحمته تعالى بأن يدافع عن الذين آمنوا ويدفع عنهم كل غائلة، تستأصل شأفتهم تحقيقا لوعده الكريم في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} الحج 38، ومصدقا لما ورد على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: “لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله؛ لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس” أخرجه أحمد والشيخان.
بل لقد جعل الله كثيرا من المحن التي مرت على المسلمين نعما أسقطت في تصفيتها الحسابية كثيرا من أدعياء الإسلام من خلال الحوادث، وتركتهم يهيمون في متاهات الضلالة، بينما منحت الصادقين جائزة الخلود.
{الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبين} العنكبوت:1-2.
ولئن كان التطور الفكري في العصر الحاضر قد رافقه تطور في تصور الأشياء، تطور في إدراك الحقائق، وتطور في نظرة الإنسان إلى أخيه الإنسان، فإن هذا التطور ويا للأسف قد عجز أن يجد له مكانا في عقول زعماء الطائفة التي تنتحل التشيع لأهل البيت كذبا وزورا، وأن يخترعوا بدعة منكرة قوامها الدعوة إلى وحدة إسلامية مزيفة، وتقريب بين المذاهب الإسلامية.
ولا يخفى على ذوي البصر الناقذ ما تنطوي عليه هذه المحاولة من خبث ودهاء إذ أن كل من لديه أدنى إلمام بالأسس التي قام عليها دين هذه الطائفة لا يسعه إلا أن يقف مشدوها من شدة العجب أمام هذه الخدعة المفضوحة.
لقد كانت هذه الدعوة التي حملوا لواءها محببة حقا إلى كل نفس لو أنها صدرت من أناس يعنون ما يقولون، وبدوافع خالصة من كل شائبة، ولكن الواقع يثبت ويا للأسف أن زعماء هذه الطائفة إنما حاولوا بهذه البدعة المنكرة در الرماد في العيون وأنهم أصحاب البادرة والنوايا الحسنة.
ومن المؤسف حقا أن ينخدع بهذه المهزلة رجال من ذوي المكانة العلمية من العالم الإسلامي، فينزلقوا في مجارف التقية وأوحالها، ويقعوا في ورطة التجاوب مع الناعقين بحجة جمع الكلمة ووحدة الصف.
ولا أدري أي كلمة تستطيع أن تجمع بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين من يدعون للوفاق، ومن مردوا على النفاق.
ولو كان المستجيبون إليهم أناس جهلة لالتمسنا لهم العذر ولكنهم ويا للأسف ممن تصدروا للفتوى ونصبوا أنفسهم حماة للإسلام.
يقول أحد من يشار إليه بالعصا عندهم تأكيدا لما أثبتناه من زيف الدعوة إلى الوحدة قوله: أتريدون منا أن نتحد على قرآن يتضمن حكاية بقرة، وقصة غرامية كقصة يوسف؟ وهل مثل هذه الحكايات العجائزية تسمى قرآنا؟ فأين الدعوة إلى الوحدة وإلى التقريب.
إن طائفة الشيعة التي أعنيها، هي عصابة الرفض وما تفرع عنها من إمامية وإسماعيلية وسبئية وكيسانية ومختارية وقرمطية وإثنا عشرية وغير ذلك، لأن الأصل بين جميع هذه الطوائف واحد، وإن الاختلاف بينها واقع في الشكليات والفروع، ولأن انقسامها على أنفسها لا يعني تنكر أحدها للأصل الذي انبعث عنه، وهو الإلحاد المتستر ببدعة التشيع.
ولا أدري والله على أي أساس ينبغي أن تنبني هذه الوحدة؟ وهل سيكون كتاب الله أساس لها؟
إذا كان كذلك فأي كتاب يريدون منا أن نتحد على أساسه؟
هل هو مصحف فاطمة؟ أم هو الكتاب الذي سيأتي به المهدي “بعد عمر طويل”؟ أم هو الكتاب الذي بين أيدينا؟
إن كان الأول فأين هو؟
وإن كان الثاني فليؤجلوا دعوتهم إلى الوحدة إلى أن يتجلى مهديهم بالشجاعة، ويخرج من السرداب.
وإن كان الثالث فكيف نتفق أو نتحد على كتاب يطعنون فيه ويدعون أن عثمان قد زاد فيه وانتقص، وكيف نتفق أو نتحد على كتاب جمعه أناس في نظر هؤلاء كفار مرتدون لأنهم بايعوا أبا بكر، وتركوا عليا الذي لا وصي غيره.
سبحان الله لا أدري من أوحى إليهم بهذه البدعة المنكرة، لا شك أنها الجرأة والوقاحة التي لا تعرف الحدود ولا السدود على أن ما يتمتعون به من مكانة ملحوظة إنما هي بين السذج والبسطاء والدهماء ليضمنوا بقاء نفوذهم الديني في وجه تيارات الوعي المتزايدة حتى لا تنقطع مواردهم من السحت وأكل أموال الناس بالباطل.
ومن المعروف أن وجود هذه الهوة السحيقة بين أهل السنة والجماعة وبين طائفة الشيعة تجعل من المستحيل تحقيق الوحدة أو تصورها؛ بل تجعل تبني هذه الخرافة ضربا من الهزل السخيف، ومن المهازل المضحكة حقا أن لا يجد زعماء هذه الطائفة وسيلة يذرون فيها الرماد في العيون ويحاولوا أن يغطوا بها عورات عقائدهم ومساوئهم سوى هذه الدعوة المحببة إلى نفوس المسلمين.
ولا سيما بعدما بدأ أتباع هذه العقيدة الدخيلة يشعرون بسخافتها، وبدؤوا يخرجون من هذه الموروثات المتعفنة أفواجا، وبدأ العلم الحديث يسلط أضواءه على البؤر المنتنة في هذه العقيدة المتطفلة على الإسلام، وأحس تجار دينهم والمحترفون للدنيا باسم الدين بخطورة الموقف وأثر التطورات الفكرية على ما ألقوا اقتناصه من السحت ببركات الأئمة الأجداد، والسراديب والأبواب.
ولا يمكن التقريب بيننا “السنة” وبينهم “الشيعة” للأسباب الآتية :
السبب الأول: زعم الشيعة بأن الأئمة معصومون من الخطأ والنسيان، وأن كل ما يقولونه حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
السبب الثاني: اتهامهم الصحابة بالارتداد عن الدين لمبايعتهم أبا بكر وعمر دون علي.
السبب الثالث: اعتقادهم أن القرآن الذي بين أيدينا محرف وأن ما يعترفون به منه معنى طاهرا تفهمه العامة ومعنى خاصا لا يفهمه إلا الأئمة.
السبب الرابع: استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، واستعدادهم للتعايش مع أهل كافة الأديان دون المسلمين.
السبب الخامس: كراهيتهم لأي نظام حكم يعيشون في ظله.
السبب السادس: اعتقادهم بأن في مقدور الأئمة التصرف في أرزاقهم، وآجالهم و تحويل مقابرهم إلى أوثان تعبد من دون الله.
إذن كيف يدعوننا إلى الوحدة وهم عاجزون عن التوحيد بين فرقهم وشراذمهم.
وكيف لا يستحيون من الدعوة إلى الوحدة بيننا وبين دين هذه مقوماته.
والحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من خلقه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *