نيل سبق التعرية في الإنتاجات الفنية.. تكسّب أم تبعية!! إبراهيم بيدون

أقدمت إحدى الممثلات المغربيات (لطيفة أحرار) على نزع ملابسها والبقاء بحمالات الصدر والتبان وهي تؤدي عرضا مسرحيا (تحت اسم كفر ناعوم، أوطو صراط) فرديا أمام الحاضرين بقاعة دار الثقافة الداوديات بمراكش مساء يوم الأربعاء 06 أكتوبر الجاري، وهو ما دفع العديد من الحاضرين الذين كان أغلبهم من الناشئين إلى الانسحاب من القاعة كتسخط على هذا الفعل الذي اعتبروه مسّا بقيمهم وخدشا لمشاعرهم.

ويعتبر تعري هذه الممثلة أول عرض عار في المسرح المغربي بعد عرض آخر قدم قبل شهور، في مسرحية “الخبر فراسك” التي قدمتها فرقة “داباتياتر”، ومن مشاهدها: نساء في الحمام بلباسهن الداخلي وعلى أجسادهن قطع بلاستيكية شفافة.
وهو الأمر الذي يدل على أن المسرح المغربي آخذ في طريقه لتقليد السينما المغربية الجديدة التي صارت توظف السلوكيات والمشاهد الجنسية وتركز عليها أكثر من قضية الفيلم وهدفه -من تصوير الواقع كما يزعمون-، كل هذا يحصل في تبعية كبيرة للإعلام الغربي الذي لا يملك قيما، ولا ينتج أخلاقا -بل يحاربها-، والذي اجتاح قناتينا الوطنيتين بجنسه وانحرافه وشذوذه، في زمن صدئ فيه مقص الرقابة، بعد أن مات الحياء الأسري.
يعتبر مستغربوا الفطر ومن قلّ عندهم الحياء منظر المرأة وهي تلبس لباس البحر على الشواطئ، وفي القنوات الوطنية أمرا عاديا، وهذا ما جرأ الممثلة على خلع ملابسها والبقاء بلباس البحر ظنا منها أن المجتمع المغربي صار يتقبل مناظر العري وصور الابتذال، وهو ما يدفعنا إلى محاربة تلك المناظر المخلة بالحياء في جميع مناحي حياتنا في الشواطئ كما في الشوراع والأسواق، وقبل ذلك في الإعلام والإشهار.
وتعليقا على الضجة التي أثارتها المسرحية قالت لطيفة أحرار في تصريحات لإحدى اليوميات المغربية “أن ما قدمته هو مشروع فني ورؤية خاصة حول العالم كما تراه”، وأضافت “حرصت على تقديم عرض قريب من الجمهور”، وأكدت أحرار “أن المسرح ينبغي أن نقدم فيه لحظة فنية حرة، جريئة ومعاصرة”.
فالرؤية الخاصة للعالم حسب أحرار تكون بإعطاء فرصة لجسدها العاري كي يعبر عن تداخل الروح والجسد، وكي تحقق دائما من خلال عريها الجرأة الفنية والإبداع والسبق الفني..؛ وإن كان يصعب علينا تقبل مثل هذا الكلام ذلك أن السبب الكامن وراء إقدام العديد من الفنانين على القيام بأدوار مثيرة هو التكسب المادي؛ والسعي وراء كسب الشهرة التي تعتبر أهم رأس مال عند أهل هذه الحرفة؛ لكننا نقول لهاته الممثلة إنها أخطأت لما ظنت أن التعري في المسرح “لحظة معاصرة”، لأن المسرح الغربي المنحل؛ الذي يعتبر مرجعا في ما أقدمت عليه من عري؛ ظهر مع فلاسفة الثورة ضد القيم والدين منذ أكثر من قرنين..، وما الفن والإبداع عند الغرب إلا إلباس الصبغة البهيمية للبشر ونقل تصورٍ للجسد ينطلق من مادية فكرهم الذي يركز على متعة الجسد وإشباع رغبته ونهمته.
ومما قالته الممثلة لتبرير نزعها لملابسها: (لا يمكن أن نختزل عملا في مشهد واحد يتم التعامل معه من مبدأ “ويل للمصلين”).
وبالنظر إلى جوانب من المسرحية كاسمها والنص المبنية عليه واللباس الموظف، نجد أنها مغرقة في المغالطات الدينية والفكرية: كقضية حوار الأديان ، وجدلية الروح والجسد ، وجدلية الدين والأسطورة، والرقص الروحاني، والعري والنقاب ..
إن مسرح الغرب اليوم وصل إلى أطوار متقدمة من الخلاعة وقلة الحياء من إبداء العورات والكلام الفاحش، والانتقال إلى العري الكامل (بزعم فن تعبير الجسد)، حتى أنهم استدرجوا حسب فكرهم الآفن إلى إقامة مثل: مهرجان التعري على المسرح (مسرحية “الثلاثية Trilogy” التي قدمت في مهرجان أدنبرا الصيفي الشهير، وقامت بتأليفها الاسكتلندية “نك قرين” نموذجا)، وبلوغهم هذا المستوى من إضفاء الشرعية على التعري الناتج عن فلسفة تعرية الجسد عند الغرب المبنية على فكرة: أن العري يساعد المرء على التخلص من الإحساس بمشاعر سلبية تجاه جسده، وكأنه بلباسه ليس يغطي جسده فقط بل يستر مشاعره السلبية تجاه جسده، فتأتي خطوة التطبيع مع التعري لتجاوز المشاعر السلبية حول الجسد؛ خصوصا الفوارق بين الذكورة والأنوثة، ويحيلنا هذا الأمر إلى نشوء حركة “الفيمنيزم” الداعية إلى مساواة الجنسين وإلى “الاحتفاء” بالجسد وليس الخجل منه أو إخفاءه.
هذه هي نظرة الغرب إلى الجسد، وهي التي يسعى إلى بثها ونشرها في الفن والإبداع والسينما والمسرح وعلى شاشة التلفاز، فهل يا ترى يدرك مثل هذه المعاني والأهداف من يقدم على نسخ التجربة الغربية ولا يعير اهتماما لديننا وهويتنا وقيمنا وأعرافنا؟
أم أن الفن الغربي بانحلاله وخلاعته سيصبح مقدسا مثل المواثيق الدولية عند المستغربين والمعلمنين من بني جلدتنا؟!
ولا ننسى في الأخير أن نشير إلى أن المسرحية قدمت بشراكة مع المعهد الثقافي الإسباني “ثيربانتيس” وبتعاون مع سفارة إسبانيا في المغرب، وهو ما يدل على أن للأجنبي يده في تشجيع هذه الجرأة الزائدة على المعتاد، والبعيدة عن قيم وأخلاق المغاربة، والتي تؤسس للفكر الغربي المادي المنحل أخلاقيا وقيميا، فمتى نوقف التدخل الأجنبي الذي اخترق جميع مناحي حياتنا؟!
كما لا ننسى أن نقول للعلمانيين والصحافة العلمانية التي طبَّلت للعمل ودافعت عنه، كفّوا عنا تبعيتكم الفكرية للغرب والدفاع عنها، لأن المغرب بلد مسلم، والإسلام يحرم على المرأة التبرج بكل أشكاله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *