المرحلة الأهم..أولاً: أفلاطون

تعتبر المرحلة الثالثة أهم مراحل تطور الفلسفة، في هذه المرحلة اتسع نطاق الفلسفة حيث صار موضوعها شاملاً لكـل بحـث إنساني، وامتاز هذا العصر بتبويب وتنظيم المسائل الفلسفية، وبلغت الفلسفة فيه كمالهـا، وكان ذلك على يدي أفلاطون وتلميذه أرسطو من عام 322 إلى 427 ق.م.

أولًا: أفلاطون (427ـ347 ق.م):
حياته التاريخية:
هو أفلاطون بن أرسطن بن أرسطوقليس، ولد في أثينا سنة 427 ق.م، من أسرة عريقة غنية ذات شأن في السياسية والملك والحكمة، تثقَّف ثقافة واسعة حيث تعلم الرياضة والشعر، واطلع على المذاهب الفلسفية، ولما بلغ سن العشرين تعرف علـى سقراط، فلازمه وتتلمذ عليه مدة ثمانية أعوام، نقل خلالها الكثير من أفكاره وتعاليمه، والتي تركت بدورها أثرًا كبيرًا في حياة أفلاطون وتفكيره الفلسفي.
وبعد موت أستاذه سقراط غادر أفلاطون أثينا إلى ميغاري، وأقام بها عند الفيلسوف إقليدس1، الذي أسس مدرسة فلسفية في هذه المدينة، ثم غادرها إلى مصر التي درس فيها الرياضة دراسة وافية، واطلع على علومها ودياناتها، وفـي سـنة 370 ق.م، غادر مصر إلى إيطاليا، وهناك تعرف على الفيثاغورثيين، واتصل بهم ودرس مذهبهم.
لقد جمع أفلاطون من خلال رحلاته وتنقلاته بين ثقافات الشرق والغرب الأمر الذي أسهم في فلسفته التي جاءت متعددة الجوانب الفكرية ومتعددة الموضوعات، ومما جعل فلسفته تمتاز عن فلسفة الذين سبقوه من اليونانيين؛ إذ تناول في فلسفته الطبيعة وما وراء الطبيعة، والإنسان والقيم والمثل والسياسة والمدنية… وغير ذلك من موضوعات فلسفية.
وفي سنة 378 ق.م رجع أفلاطون إلى أثينا، وبها أنشأ مدرسته الفلسفية، التي كانت تطل على حديقة “أكاديموس” أحد أبطال اليونان، فسميت لذلك بالأكاديمية، وقـد جعلهـا دينية علمية تدرس فيها جميع العلوم وأقام فيها معبدًا، وظل يعلِّم فيها ويكتـب أربعـين سنة، وقد أقبل عليها الطلاب رجال ونساء، وظل فيها إلى أن توفي سنة 347 ق.م.

مؤلفات أفلاطون:
تمتاز مؤلفاته بتمثيلها لمراحل حياته الفكرية الثلاث:
فالمجموعة الأولى من مؤلفاته هي التي كتبت في الفترة التي قضاها في أثينا، والتي أحاطت بموت أستاذه سقراط وقبل رحلاته خارج أثينا، وتمثل كتبه في تلك الفترة فلسفة أستاذه سقراط.
أما المجموعة الثانية فقد كتبها بعد رحلته إلى ميغاري وغيرها من البلاد، وآراؤه فيها خليط من آراء أستاذه سقراط وصديقه أقليدس الذي تعرَّف عليه في ميغـاري، وآرائه الشخصية التي تمثل فلسفته وتفكيره الخاص.
وأما المجموعة الثالثة: فقد كتبها بعد استقراره في أثينا، ووصله إلى درجـة من النضج والصفاء الذهني، وتلك المجموعة من المؤلفات هي التي تعبر عن استقلاله في التفكير الفلسفي.

فلسفة أفلاطون:
شملت فلسفة أفلاطون موضوعات متعددة، وأهمها ما يلي:
1 ـ نظريته في المعرفة من حيث مراحلها وكيفية تحصيلها.
2 ـ نظريته في المثل، وهي بحث عن الحقيقة المطلقة فيما وراء الطبيعة.
3 ـ نظريته في الطبيعة، وموضوعها الطبيعة، وتبحث في ظواهر الوجود من حيث هـو مادة يلازمها ملازمة ضرورية كل من المكان والزمان.
4ـ الأخلاق وتبحث في واجبات الفرد نحو غيره.
5ـ السياسة وتبحث في واجبات الإنسان نحو المجتمع، وفيها وضع أفلاطون نظريته في الحكم الجمهوري، وفي المدينة الفاضلة، وهو ما يعرف بجمهورية أفلاطون.
وبهذا يتبين أن أفلاطون تناول في فلسفته موضوعات شتى، وأنـه تميـز عـن الفلاسفة قبله الذين كانوا يقصرون مباحثهم على موضوع واحداً أو موضوعين لقد شملت فلسفة أفلاطون الطبيعة، وما وراء الطبيعة والمعرفـة، والمثل والأخـلاق والسياسة والمدينة الفاضلة، والنفس الإنسانية.

منهجه الفلسفي:
سلك أفلاطون في منهجه الفلسفي التوفيق والتنسيق بين المذاهب الفلسفية التـي سبقته، إذ لم ير في تعارضها سببًا للشك مثل السوفسطائيين، إن آراء السـابقين عنـده حقائق جزئية والحقيقة الكاملة تقوم بالجمع بينها وتنسيقها في كل ٍّ يجمع الأجزاء ويؤلفها، وطريقة التوفيق هي حصر كل وجهة في دائرة، وإخضاع المحسوس للمعقول، والحـادث للضروري.
إنه جمع بين تغير هرقليطس ووجود بارمنيـدس، ورياضـيات فيثـاغورث وأصحابه وعقيدتهم في النفس، وجواهر ديمقـريطس، وعناصـر أنبـادوقليس، وعقـل أنكساغوراس، ومذهب سقراط، أي إن أفلاطون لم يرد شيئًا من تفلسف السابقين، بل انتفع بكل شيء ثم طبع هذا التفلسف بطابعه الخاص وزاد فيه؛ فتوسع وتعمق إلى حد لم يُسبق إليه.
ونتناول في المقال القادم بحول الله جوانب من فلسفة أفلاطون، وتجديده الفلسفي؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- إقليدس (265-325 ق.م) رياضي يوناني، عاش في مدينة الإسكندرية ويعتبر من مؤسسي علم الهندسة، وقد كانت أعماله بشكل عام تشكل أهمية كبيرة في تاريخ الرياضيات، وقد كتب في الرسم المنظوري والمقاطع المخروطية والسطوح ثنائية البعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *