تكلمنا في المقال السابق عن التعريف بالطريقة الشاذلية ومؤسسيها وعن بعض أفكارها ومعتقداتها وفي هذا المقال سنكمل حديثنا عن هذه الطريقة مبتدئين بما تبقى من الأفكار والمعتقدات.
ـ الورع: وهو العمل لله وبالله على البينة الواضحة والبصيرة الكامنة.
ـ التوكل: وهو صرف القلب عن كل شيء إلا الله.
ـ الرضى: وهو رضى الله عن العبد.
ـ المحبة: وهي في تعريفهم: سفر القلب في طلب المحبوب، ولهج اللسان بذكره على الدوام.
ـ وللحب درجات لدى الشاذلية وأعلى درجاته ما وصفته رابعة العدوية بقولها:
أحبك حبَّين: حب الهوى وحبًّا لأنك أهل لذاك.
ـ الذوق: ويعرِّفونه بأنه تلقي الأرواح للأسرار الطاهرة في الكرامات وخوارق العادات، ويعدونه طريق الإيمان بالله والقرب منه والعبودية له. لذلك يفضل الصوفية العلوم التي تأتي عن طريق الذوق على العلوم الشرعية من فقه وأصول وغير ذلك، إذ يقولون: علم الأذواق لا علم الأوراق، ويقولون: إن علم الأحوال يتم عن طريق الذوق، ويتفرع منه علوم الوجد والعشق والشوق.
ـ علم اليقين: وهو معرفة الله تعالى معرفة يقينية، ولا يحصل هذا إلا عن طريق الذوق، أو العلم اللدني أو الكشف..إلخ.
ومع ذلك فإن الشاذلي يقول بأن التمسك بالكتاب والسنة هو أساس طريقته، فمن أقواله: “إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك إن الله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة”.
وكذلك فإن الصوفية عامة يرون -ومنهم الشاذلية- أن علم الكتاب والسنة لا يؤخذان إلا عن طريق شيخ أو مربٍّ أو مرشد، ولا يتحقق للمريد العلم الصحيح حتى يطيع شيخه طاعة عمياء في صورة: “المريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي مُغسِّله” لذلك يُنظر إلى الشيخ نظرة تقديسية ترفعه عن مرتبته الإنسانية.
ـ السماع: وهو سماع الأناشيد والأشعار الغزلية الصوفية. وقد نقل عن أحد أعلام التصوف قوله: “الصوفي هو الذي سمع السماع وآثره على الأسباب”. ونقل عن الشعراني عن الحارث المحاسبي قوله: “مما يتمتع به الفقراء سماع الصوت الحسن”، و”إنه من أسرار الله تعالى في الوجود”.
ـ وقد أفرد كُتَّاب التصوف للسماع أبوابًا منفصلة في مؤلفاتهم، لما له من أهمية خاصة عندهم.
ـ يكثر في السماع الأشعار التي تصل إلى درجة الكفر والشرك، كرفع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مرتبة عالية لم يقل بها أحد من أصحابه، ولا هي موجودة في كتاب ولا سنة، فضلاً عن الإكثار من الاستغاثة لا المناجاة كما يقول البعض:
يا كتاب الغيوب قد لجأنا إليك.
يا شفاء القلوب الصلاة عليك.
وهناك أفكار واعتقادات كثيرة يجدها القارئ في كتب التصوف مبتدعة دخلت الفكر الإسلامي عن طريق الفلسفات اليونانية والهندية.
الجذور الفكرية والعقائدية:
كانت المذاهب الصوفية كلها عبارة عن مدارس تربوية تدعو إلى تزكية النفس وإلى الزهد في الدنيا والعمل الصالح، إلا أن هذه المدارس دخلتها الفلسفة اليونانية والفلسفة الهندية، وحتى النصرانية واليهودية وغيرها من الفلسفات، وذلك أثناء حركة الترجمة في القرن الرابع الهجري، فتأثرت الصوفية بها، وبدأ الانحراف في هذه المدارس عن الطريق الإسلامي السوي.
فقد أخذت الصوفية من الفلسفة الهندية مراحل ترقِّي الإنسان إلى الفناء، وذلك بتطهير نفسه بالجوع والزهد وترك الدنيا حتى يصل إلى السعادة الحقيقية.
وأخذت الصوفية الرهبانية من النصرانية المنحرفة، وهو الانقطاع عن الناس والعزلة عن الخلق والزهد.
ومن الفلسفة اليونانية نظرية الفيض الإلهي، والاتحاد والحلول عند بعض الصوفية.
ولو تتبع المدقق في المذاهب الصوفية لوجد العجب من المصطلحات والمعلومات البعيدة كل البعد عن تعاليم الشريعة الإسلامية الواضحة البينة.
أماكن الانتشار:
مركز الشاذلي الأول هو مصر وبخاصة مدينة الإسكندرية، وطنطا، ودسوق بمحافظة كفر الشيخ، ثم انتشرت في باقي البلاد العربية. وأهم مناطق نشاطها سوريا والمغرب العربي، ولها وجود إلى الآن في ليبيا، وفي السودان في الوقت الحاضر.
يتضح مما سبق:
أن الشاذلية طريقة صوفية تنتسب إلى أبي الحسن الشاذلي، وهو علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف أبو الحسن الهذلي الشاذلي نسبة إلى شاذلة في المغرب بشمال أفريقيا.
وتشترك هذه الطريقة مع غيرها من الطرق الصوفية في كثير من الأفكار والمعتقدات، وإن كانت تختلف في أسلوب سلوك المريد أو سالك وطرق تربيته. ومجمل أفكار هذه الطريقة: التوبة والإخلاص والنية والخلوة والذكر والزهد والنفس والورع والتوكل والرضى والمحبة والذوق وعلم اليقين والسماع. ولهذه الألفاظ معانٍ تختلف بدرجات متفاوتة عن المعاني الشرعية.
أما علم القرآن والسنة فلا يؤخذان عند الشاذلي إلا عن طريق شيخ أو مُربٍّ أو مرشد، وهو ما يستوجب على السالك الطاعة العمياء لهم. ويؤخذ على الشاذلية ما يؤخذ على الطرق الصوفية من مآخذ انحرفت بسالكيها عن الطريق الإسلامي السوي.