ورث السلطان عبد العزيز دولة منهكة اقتصاديا، الشيء الذي أدى به إلى فرض ضريبة الترتيب سنة 1901م بمشورة الفاسدين الذين التفوا حوله بعد وفاة الحاجب السلطاني أحمد بن موسى، وهي ضريبة حلت محل الزكاة والأعشار لتوحيد النظام الجبائي وتعميمه وإصلاح الوضع المالي، غير أن فشل تعميم الترتيب أدى إلى فراغ خزينة الدولة ولجوء السلطان عبد العزيز إلى الاقتراض من الخارج خلال سنوات 1902م، 1903م و1904م (92.5 مليون ف.ف) ولتسديد هذه الديون اضطر السلطان إلى التخلي عن 60% من مداخيل الجمارك لفائدة فرنسا وإلى بيع نواة أسطوله البحري بأثمنة بخسة.
ثم كرس السلطان عبد العزيز الأزمة المالية المغربية حين اقترض من البنك المخزني 100 مليون ف.ف مقابل التخلي عن 40% المتبقي من مداخيل الجمارك.
كما كان لمؤتمر الجزيرة الخضراء 16/1/1906 دور كبير في زيادة هذا العجز الاقتصادي ومما جاء فيه:
ثالثا: ما يتعلق بإنشاء بنك الدولة من المواد 31 إلى 58 وينص على إنشاء بنك للدولة بإذن من السلطان لمدة أربعين سنة يمارس كل العمليات التي هي من اختصاص البنوك، وهو المعتمد المالي للحكومة داخل المغرب وخارجه، ويقدم البنك اعتمادات للإنفاق على البوليس، وعلى الأشغال ذات النفع العام بفائدة لا تتجاوز 7%، ورأس مال البنك لا يقل عن 15 مليون فرنك، ولا يزيد عن 20 مليون.
رابعا: تنظيم الضرائب وإيجاد عائدات جديدة من المواد 59 إلى 76 وقد نص فيها على دفع الأجانب لضريبة الترتيب مقابل حصولهم على ملكيات في المغرب، ووافق المؤتمر على وضع رسوم الطوابع على العقود والصكوك الشرعية، وعلى نقل الملكية، ورسوم الإحصاء والأوزان على البضائع المنقولة بواسطة الملاحة الساحلية وعلى جوازات السفر.
كما عرفت هذه الفترة اندلاع ثورة الجيلالي بن إدريس الزرهوني الملقب بـ”بوحمارة” وقد ساعدته عدة عوامل لبسط نفوذه على عدة مناطق منها:
– حرص فرنسا على نشر الفوضى وتقوية الفتن ومد أبي حمارة بالقوة الكافية للقضاء على قوة الدولة، كما قامت بزرع ضباط فرنسيين لقيادة جيش أبو حمارة من أشهرهم الفرنسي المتنكر “غابرييل ديلبريل”.
– عدم قيادة السلطان عبد العزيز لجيشه بيده.
وهكذا دفعت فرنسا المغرب ليقع تحت رحمة ثورة الفتان الذي كونته وسلحته ثم مدته بالمال لتجعل منه وسيلة أقرب للقضاء على كل إمكانات الدولة، بل وكما تدلنا الوثائق المحفوظة بوزارة الخارجية الفرنسية والمغربية، لم تكتفي فرنسا بهذا بل فرضت على المغرب عدم شرائه الأسلحة إلا منها حتى يصبح تسليحه وقفا عليها.
وقد استمر وجود أبي حمارة إلى قيام الثورة الحفيظية لتكون نهايته على يد القائد الناجم رحمه الله الذي ألقى عليه القبض يوم 5 شعبان 1327هـ/22 غشت 1909م وقد كانت نهايته إثر الهزيمة التي مني بها على يد قبيلة بني ورياغل الريفية.
كما أدت الأزمة المالية وعجز السلطان وتفاقم الحماية القنصلية وتزايد الخطر الأجنبي خاصة لما احتلت فرنسا وجدة والشاوية بما فيها الدار البيضاء سنة 1907م، إلى الثورة ضد السلطان عبد العزيز ومبايعة السلطان عبد الحفيظ يوم 3 يناير 1908م بيعة مشروطة.
غير أن عجز هذا الأخير عن تحقيق شروط البيعة وعن حماية البلاد، أدى إلى تجدد الثورة ضده من طرف القبائل والجيش المخزني في فاس والسايس، وتمت محاصرته بالعاصمة فاس سنة 1911م، وبويع مولاي الزين سلطانا في مكناس، مما أدى إلى تدخل الجيش الفرنسي (بطلب من السلطان) وفك الحصار واحتل المدينة وأجبر السلطان على توقيع عقد الحماية في 30 مارس 1912م.