حتى لا يزايد أحد على ديننا ولا يتهمنا بترويج ثقافة البكاء والحزن وأننا ضد الفرح والضحك والمزاح والترويح على النفس، نُذَكر بأن ديننا الإسلامي والحمد لله يدعو إلى الترويح على النفس ولا يمنع المزاح، غير أن لذلك شروطا شرعية حتى لا يقع العبد في طرفي الغلو.
فقد كان قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، وعرف بعض الصحابة رضوان الله عليهم بإضحاكه؛ كعبد الله بن عياض وحكيم بن حزام والنعيمان البدري، وورد أنه كان يضحك أحيانا حتى تظهر نواجذه صلى الله عليه وسلم..، حتى قال الصحابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا (يعني تمازحنا)، قَالَ: (إِنِّي لا أَقُولُ إلا حَقًّا) صحيح الترمذي. وسُئل ابن عمر رضي الله عنهما: “هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون؟”، قال: “نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال”.
فما هي شروط المزاح الشرعي؟1
1- لا يكون فيه شيء من الاستهزاء بالدين:
فإن ذلك من نواقض الإسلام قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة:65-66، قال ابن تيمية رحمه الله: (الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه).
2- لا يكون المزاح إلا صدقاً:
قال صلى الله عليه وسلم: (ويل للذي يُحدث فيكذب ليُضحك به القوم ويل له) صحيح الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم محذراً من هذا المسلك الخطير الذي اعتاده بعض المهرجين: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليُضحك بها جلساءه يهوي بها في النار أبعد من الثريا) (رواه أحمد، الصحيحة).
3- عدم الترويع:
خاصة ممن لديهم نشاط وقوة أو بأيديهم سلاح أو قطعة حديد أو يستغلون الظلام وضعف الناس ليكون ذلك مدعاة إلى الترويع والتخويف، عن أبي ليلى قال: (حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل فأخذه ففزع، فقال رسول الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً)) رواه أبو داود.
4- تجنب الاستهزاء والغمز واللمز وألا يكون فيه غيبة:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ)، قال ابن كثير في تفسيره: (المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم والاستهزاء بهم، وهذا حرام، ويعد من صفات المنافقين).
5- أن لا يكون المزاح كثيراً:
قال الإمام النووي رحمه الله: “المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى؛ ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار، فأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله”.
6- معرفة مقدار الناس:
فإن البعض يمزح مع الكل دون اعتبار، فللعالم حقه، وللكبير تقديره، وللشيخ توقيره، ولهذا يجب معرفة شخصية المقابل فلا يمازح السفيه ولا الأحمق ولا من لا يُعرف.
7- أن يكون المزاح بمقدار الملح للطعام:
قال صلى الله عليه وسلم: (لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب) صحيح الجامع.
8- اختيار الأوقات المناسبة للمزاح:
كأن تكون في رحلة برية، أو في حفل سمر، أو عند ملاقاة صديق، تتبسط معه بنكتة لطيفة، أو طرفة عجيبة، أو مزحة خفيفة، لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه، أو عندما تتأزم المشاكل الأسرية ويغضب أحد الزوجين، فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد المياه إلى مجاريها.
قال رجل لسفيان بن عيينة رحمه الله: المزاح هجنة أي مستنكر! فأجابه قائلاً: “بل هو سنة، ولكن لمن يُحسنه ويضعه في موضعه”.
ــــــــــــــــــــ
1- رسالة لعبد الملك القاسم بتصرف.