المصير المحسوم بعد تنزيل المرسومين هشام اعراب- استاذ متدرب بمركز المشور(مراكش)

إن التنزيل الفعلي لمقتضيات المرسومين السياديين الراميين إلى فصل التكوين عن التوظيف، وتقليص المنحة الى اقل من النصف، هو بداية حقيقية للإرساء التدريجي لخوصصة التعليم، وتمهيد لتفويته للوبي القطاع الخاص.
في هذه السنة التكوينية الحالية نجح في مباراة الولوج إلى مراكز التكوين بعد انتقاء أولي، وامتحان كتابي وشفوي، 10.000 أستاذ متدرب، وبعد تنزيل المرسومين سيجتازون تكوينا نظريا وتطبيقيا، مدته سنة كاملة، يتقاضى خلالها المتدربون منحة شهرية قدرها 1200 درهم، بدل 2450 درهم! وسيتوج هذا التكوين بحصولهم على شهادة التأهيل التربوي، بعدها ستفتح وزارة التربية الوطنية مباراة للتوظيف، تقتصر الوزارة على توظيف 70.000 فقط! من الذين نجحوا في هذه المباراة، وأما الراسبون والبالغ عددهم 3.000 أستاذ، سيقصدون مؤسسات التعليم الخاص.
إن تشبث الحكومة وإصرارها على تكوين عدد كبير من الأساتذة، مع الاكتفاء بتوظيف عدد قليل منهم، يومئ أنها تعتزم أن ترفع من أعداد المستفيدين من التكوين في السنوات المقبلة، ومن المتوقع أن يتجاوز هذا العدد 15.000 مستفيد في السنة الواحدة، وموازاة مع ذلك ستقوم بتخفيض أعداد المناصب المالية، فإذا اكتفت هذه السنة بـ7.000 منصب، فيحتمل في السنوات المقبلة أن تقلص هذا العدد إلى أقل، وستتحول المراكز الجهوية إلى معاهد للتكوين: كالجامعات ومراكز التكوين المهني.
ولتفادي احتجاجات الأساتذة الراسبين في مباراة التوظيف -وهذا محتمل غير مستبعد-قد تتجرأ على تخفيض راتب الأستاذ الممارس الموظف في القطاع العام ليتساوى مع راتب أستاذ التعليم الخاص، وذلك كله قطعا لدابر الاختلاف والاحتجاج !
إن المستفيد الوحيد من خوصصة التعليم هو لوبي التعليم الخاص، هو لوبي منظم رأسمالي متوحش، يراكم ثروات ضخمة، يتهافت لاستثمار أمواله وتبييضها في هذا القطاع الحيوي لأنه مشروع مدر للدخل، يستطيع أن يصل إلى ثراء فاحش في مدة وجيزة، بل تحول إلى مكتنز للأموال والثروات بلا رقيب ولا حسيب.
إن هذا اللوبي يسترزق على حساب التعليم، ويقتات على ضعفه، وانهيار أصوله وأركانه، ويعيش على فشله، ويتقوى على تهميشه واقصائه، يستنزف أرزاق الآباء، الذين فقدوا الثقة في المدرسة العمومية، وتحولت في نظرهم إلى مجرد ثكنة عسكرية لا تنتج إلا قوات الأمن وأعوان السلطة، ألقوا بفلذات أكبادهم في أحضان هذا اللوبي المستبد، مذعنين لابتزازاته وإملاءاته وإغراءاته، بحثا لأبنائهم عن جودة تعليمية تتناغم مع متطلبات الحياة الراهنة، واستشرافا لهم لمستقبل مشرق أساسه التفوق والتميز، وما هو في الحقيقة إلا سراب موهوم.
كيف يمكن السكوت عن لوبي يستغل المعطلين وحاملي الشواهد استغلالا بشعا -وهم أعز رأسمال بشري يمتلكه المغرب- يهضم حقوقهم، ويسلب كرامتهم، وينتهك أبسط حقوقهم الاجتماعية والقانونية….؟
نحن أمام لوبي يتقوى بتأييد الدولة له ودعمها له عن طريق تسهيل منح تراخيص يمارس ضغطا عليها، وتكتفي بالإذعان والانصياع له، حتى ولو خالفت مقرراته الدراسية الخصوصية المغربية، والمقدسات الدينية والوطنية، ترى فيه الدولة مخلصا ومحررا سيحررها من أعباء وتكاليف قطاع كلفها الكثير، وينال حصة الأسد من ميزانيتها بعد القضية الوطنية.
إن حكومة المرسومين تجازف وتلقي بهذا الورش المصيري في أحضان مافيا التعليم الخاص، لا لشيء إلا لتتخلص من كلفته التي أثقلت كاهلها، وأن تعنتها وإصرارها على تنزيل المرسومين سيلقي بالتعليم نحو مجهول محتوم، ومصير محسوم لا تحمد عواقبه.
فتوسيع دائرة المستفيدين من التكوين والذي يقدر بـ10.000 أستاذ، والاكتفاء بتوظيف 7.000 فقط، يقود إلى إشكال محير: ما مصير 3.000 أستاذ؟!
تجيبنا حكومة المرسومين: مصيركم هو القطاع الخاص ودول الخليج!.
هل التلويح بالقطاع الخاص ودول الخليج تحفيز، أم هو محاولة يائسة لطمس عيوب هذه المقاربة الترقيعية؟
إن تأهيل الأساتذة وتكوينهم وتقديمهم في طبق من ذهب للوبي التعليم الخاص ودول الخليج، لهو دليل قاطع، وبرهان ساطع على أن تعليمنا حقق اكتفاء ذاتيا من أطر التدريس، لأن تصديرهم دليل على الاكتفاء، لكن الواقع الملموس، والأمر المنكوس، أن تعليمنا يعاني خصاصا مهولا يصل إلى أكثر من 20.000 أستاذ، فكيف يعقل إذا أننا نعاني نقصا حادا من الأساتذة، ثم بعد ذلك نلوح بتصديرهم إلى القطاع الخاص ودول الخليج؟!
إن إقدام الحكومة على هذا الإجراء الترقيعي سيدفع بمزيد من الاحتقان الاجتماعي، الذي ستكون له تداعيات خطيرة قد تهدد السلم المجتمعي، مما سيفتح الباب لتأجيج فتيل انتفاضة هؤلاء الأساتذة الراسبين في مباراة التوظيف، مطالبين الحكومة بتوظيفهم، وإدماجهم في سلك الوظيفة العمومية.
أليس هذا تكريسا لزيادة تفريخ أفواج المعطلين، والرفع من نسبة البطالة والعطالة؟
وكيف سيرضى لوبي التعليم الخاص أن يقبل هؤلاء الأساتذة الراسبين في مباراة التوظيف، وهو الذي ما فتئ يتشدق بصناعة الجودة، ويراهن على التميز والنجاح؟
وهل سيفتح أبواب أوكاره لأستاذ مفضول راسب، ويترك الفاضل، مع أن الجودة لا تتحقق إلا بوجود الأستاذ الفاضل لا المفضول؟
إن الأستاذ الراسب في مباراة التوظيف سيزدريه اللوبي المتغطرس غاية الازدراء، وسيحتقره كما احتقر غيره، وسيسلبه حقوقه كما سلب حقوق غيره، وسيحط من كرامته وقيمته.
ثم ما هو السر في إقبال دول الخليج على الأستاذ المغربي؟
إن سر الإقبال المتزايد لدول الخليج على السوق التعليمي المغربي يبرهن على أن الأستاذ المغربي يصنع الجودة التعليمية، ويخرج من رحم معاناته وظروفه الصعبة نوابغ حصلوا على أعلى المعدلات في المغرب وخارجه، منهم من وشح بأوسمة ملكية، ومنهم من تهافتت عليه الدول الصناعية العالمية الكبرى رغبة منها في احتضانه، وهذا هو الذي بات يعرف بهجرة الأدمغة المغربية نحو الخارج.
ومقابل هذا العطاء والانتاج يتقاضى الأستاذ ثمنا بخسا وأجرا زهيدا، يجعله أرخص أستاذ في الأسواق العالمية، وأصدق دليل على هذا قول وزير التعليم الياباني: “أعطينا للمعلم سلطة القاضي، وهيبة العسكري، وراتب وزير”؟
أليس في ما قدمناه تفسيرا واضحا يبين سبب إقبال الدول البترولية على الأستاذ المغربي، وتركها للأسواق التعليمية العالمية الصانعة للجودة، كالسوق الألماني والياباني…، واتجاهها صوب السوق المغربي الرخيص؟
لقد أفلح الصانع المغربي، وصنع نوابغه في مدرسة عمومية بسيطة، رغم الإقصاء والتهميش، مفتقرة لأبسط الشروط الضرورية، فهؤلاء نوابغنا نفتخر بهم، فأخرج لنا نوابغك أيها اللوبي المسترزق بتعليمنا ومصيرنا، وأفصح عن المستوى الحقيقي لضحاياك الأبرياء المساكين، الذين أضمرت مستواهم وما زلت تخفيه، تلميعا لصورتك، وترويجا لسلعتك الكاسدة، وايقاعا بفرائسك في شباكك المفخخة.
أليس هذا اللوبي الثري قادر على تكوين أساتذته، وتأهيل أطره؛ حتى يستنجد بالدولة من أجل تأهيلهم وتكوينهم وإعدادهم له في طبق من ذهب! بل وصل به الجشع الى استنساخ تجربته في التعليم، وفتح فروعا تابعة له لتكوين أطر التدريس، وظهرت مراكز خاصة لتكوين الأساتذة في عدد من المدن، مقابل أثمنة باهظة، لا يقدر المعطلون على تحصيلها، بل يستحيل عليهم ذلك، ضاربا بذلك جميع القيم الأخلاقية والإنسانية عرض الحائط.
أليس هذا إجهازا على المعطلين الذين يئنون تحت وطأة الفقر والبؤس والبطالة؟ واستهتارا بالتعليم وأهله؟ وامتصاصا لأموال البؤساء والتعساء؟ وتلاعبا برأسمال بشري يحسد المغرب عليه؟
ألم يان الأوان أن تتفطن الحكومة أن تحريرها لبعض القطاعات الاجتماعية الحيوية يفضي إلى احتكار لوبيات للقطاع المحرر، ينتج عنه تكريس التفاوت الطبقي الفاحش، تستفيد منه فئة دون أخرى، تسعى الفئة المحتكرة الغالبة الى استعباد الفئة المحتكرة المغلوبة والسيطرة عليها؟
ألم تحرر قطاع الماء والكهرباء، وتفوضه إلى لوبيات أجنبية فأدى ذلك إلى غلاء مفرط لفواتير الماء والكهرباء، اندلعت بسببه احتجاجات عارمة، (أزمة أمانديس نموذجا). ولولا تدخل الحكومة في الوقت المناسب لوقع ما لا تحمد عقباه؟
بل عمدت إلى تحرير جزء من قطاع الأمن، وفوضته إلى لوبيات الأمن الخاص، التي تحولت إلى مافيا منظمة، تتلذذ بامتصاص دماء الأبرياء البؤساء، فنجد حارس الأمن الخاص يعاني مأساة حقيقية، يشتغل أكثر من 12 ساعة كأنه آلة كهربائية، مقابل أجر هزيل جدا قد لا يتعدى نصف الحد الأدنى من الأجور، لا يكفيه حتى في حاجاته اليومية.
وقس على ذلك المشاكل الناتجة عن تفويت بعض القطاعات كالصحة والنقل الحضري وتدبير النفايات… وها هي حكومة المرسومين تسعى إلى تحرير قطاع التعليم، ولا تدري ما ستؤول إليه النتائج والمخرجات، أليس لكم عبرة بـ 10.000 إطار الذين أنفقتم عليهم ملايير السنتيمات، من أجل تكوينهم بغية إدماجهم في التعليم الخاص، فكان مصير أغلبهم الالتحاق بركب المحتجين أمام البرلمان، مطالبين إياكم بالوظيفة العمومية؟
ألم تعلموا أن من الأساتذة من اشتغل في القطاع الخاص، وإذا لم ينجح في مباراة التوظيف سيكون أمامه أن يرجع إلى القطاع الخاص، وبهذا سيكون قد ضيع سنة كاملة في تكوين لا حاجة له به؟
ما مصير أساتذة بعض الشعب التي لا توجد في القطاع الخاص، إذا لم ينجحوا في مباراة التوظيف، كشعبة اللغة الأمازيغية والعلوم الميكانيكية والاقتصاد…؟
من الذي سيضمن نزاهة مباراة التوظيف؟ فمن المتوقع أن تكون مسرحا لاستغلال النفوذ والرشوة والزبونية والمحسوبية.
أفبعد هذا كله يعنف أساتذة الغد، ويعاتبون على انتفاضتهم المباركة؟
ولماذا لا ينتفضون وهم أشد الناس غيرة على مستقبل بلدهم، وانتفاضتهم هذه دليل على غيرتهم، وهم أحرص الناس على أمن هذا البلد، يرون أن تعليم بلدهم ومستقبل وطنهم، سيتم تفويته إلى لوبي متمرد ملهوف وراء ثروة غير مشروعة، بتواطؤ مفضوح مع حكومة المرسومين، يسعى ليأخذ كل شيء، ويأبى أن يعطي، يبني سعادته ومستقبله على حساب تعاسة وشقاء الأستاذ.
إن نضال الأساتذة مستمر، حتى إسقاط المرسومين، والذي عرف تضامنا واسعا من طرف الفعاليات النقابية والجمعوية التي ساندتهم في مسيرتهم الوطنية الثالثة يوم 24 يناير 2016 بالرباط، مما يدل على أن مسالة الغاء المرسومين أصبحت قضية وطنية مصيرية، ينبغي على الجميع أن ينخرط فيها، وأن تتظافر جهودهم حتى يتم إسقاطهما، كما تم إسقاط مرسوم المساعدة القضائية، والمرسوم القاضي بعمل الطبيب المتخرج في منطقة نائية بعد تخرجه .
وأملنا معقود على الحوار البناء الذي بدأت أولى جلساته، والذي نرى فيه انفراجا لحل أزمة المرسومين، ومحطة نضالية مهمة لمحاولة إقناع الحكومة بضرورة التراجع الفوري عن المرسومين، والعدول عن تنزيلهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *