نعيش اليوم أزمة خانقة رغم أننا لا زلنا نجد فسحة للتحرك… ويمكن أن يحصل أكثر من هذا لا قدر الله فنعجز عن الحركة.
الأزمة اليوم أدخلتنا في دوامة وتخبط أحيانا. وفي عجز أحيانا أخرى كلما أمدت رأسها أكثر.. وفي الأزمة تنكشف الحقائق ويظهر معدن الناس ويعرف كل بما كان مغطى…. ويظهر مستوى الذكاء والفطنة في تدبيرها واحتواءها والخروج منها بانتصار أو خسائر أقل.
الأزمة تكشف من كان يعمل بجد مستحضرا مباغثة الأزمات، ومن كان يعيش على اللهو والعبث غير مبال حتى تقع الكارثة ولا يجد لها من دون الله كاشفة.
لقد جاءت أزمة كورونا واستطعنا لفترة أن نجاريها ونقلل من خسائرها. لكن لما اشتد عودها أدخلتنا مرحلة الارتباك. الذي كشف عنا الغطاء وأظهر أننا لعقود كنا على منهج الصرصور في الحياة حيث الرقص والغناء والكمنجة مزهوا بأجواء الصيف غير مبال بعوائد فصل الشتاء، في الوقت الذي كانت فيه النملة تستعد لأيام الأزمات والضيق والشدة لتعيش في آمان حين يعاني الصرصور ويجد نفسه عاجزا عن مواجهة تبعات أزمة فصل الشتاء لا مأوى ولا طعام. لقد بدأت أزمتنا في فصل البرد والشتاء كزمن أزمة الصرصار، فلا عجب فقد وقع الشبه في المنهج فكان الشبه في وقت الأزمة.
إن الطامة الكبرى التي عشناها زمانا بعد أن كانت النملة تدرس على أنها النموذج المقتدى به في الحياة، صار الصرصور اليوم هو نموذج النجاح المقدم للناشئة في التعليم عامة والإعلام خاصة. ولولا الأزمة اليوم لبقي هذا الميزان مقلوبا لعقود قادمة.
فالحقيقة اليوم أثبتت أننا أمضينا سنوات في الرقص والغناء والمهرجانات التي تعد بالعشرات والبرامج التافهة والساقطة والمسابقات الغبية والأفلام المائعة والإباحية والمسلسلات المعمرة… والتي كانت تصرف عليها أموال طائلة. لو أنفقت فيما ينفع في مجال تعليم والصحة والبنية التحتية وتطوير الاقتصاد وبناء الإنسان الواعي والمسؤول، لكنا اليوم -والأزمة هذه- لنا من القدر على مواجهة آثارها وتبعاتها بشكل جذري بعيدا عن البهرجة والترقيع والحلول الجزئية والمصير المجهول والأفق الضبابي. حيث ندخل اليوم نفقا شبه مسدود وارتجالية بثت الرعب في نفوس أفراد المجتمع، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد. مما يدل على إن جهود الدولة في زمن الرخاء بذلت في اللهو واللعب والعزف على الكمان كما كان يفعل الصرصور في زمن الحصاد. لكن لما جاءت الأزمة ردت للنملة المكافحة مكانتها النضالية والكفاحية في زمن الرخاء من أجل زمن الأزمة.
فالأموال التي أعطيت لجيش المغنين كـ”شاكيرا” و” إلتون جون” و”نانسي عجرم” و”جنيفر لوبيز” و”جيسيجي”.. وغيرهم من فناني الإباحية وغيرهم ممن لم يظهر لهم نفع في زمن الجائحة لو أنفقت لصناعة كوادر طبية وإقامة مشاريع صناعية واقتصادية قوية ومدرسة بمناهج واعدة لكنا اليوم في وضع مريح بدل هذا التخبط والعبثية والبلاغات التائهة.
المصيبة أننا نرى أن عقلية الصرصور لم ترد التغيير ولا تفكر فيه، إلا بكلام منثور وأماني لا تبدوا صادقة. فلربما (الولف صعيبة…والبلية خايبة). فلا زالت التلفزة المغربية التي تعبر عن توجه المجتمع متمادية في الكمنجة والعبث رغم الأزمة. ولا زال بعض أفراد المجتمع مسترسلين في الزهو والنشاط رغم الجائحة… فهل ينتظر هؤلاء حالة من الأزمة لا تبقي ولا تذر؟ نسأل الله العافية.
فها هي العبر فهل من معتبر.