تعريف الرقية: هي تعويذ المريض بقراءة شيءٍ من القرآن الكريم وأسماء الله وصفاته مع الأدعية الشرعية باللسان العربي -أو ما يعرف معناه- مع النفث؛ لرفع العلة والمرض.(انظر للاستزادة: الرقية الشرعية من الكتاب والسنة النبوية). ومعلوم أنهم كانوا في الجاهلية يرقون برقى كثيرة معروفة ومجربة عندهم، فعن جابر رضي الله عنه قال: “نهى رسول الله عن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأساً: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فيلفعل” (مسلم).
– حكمها: لقد أباح الله سبحانه وتعالى لعباده التداوي، وجاءت النصوص في بيان مشروعيته، ففي صحيح مسلم رحمه الله من حديث جابر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لِكلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دَواءُ الدَّاءِ بَرِئ بإذْنِ اللهِ عز وَجَل” (أخرجه مسلم 2204). وقال الكحّال رحمه الله في الأحكام النبوية: “في هذا الحديث حثٌّ على استعمال الطب والمداواة، لقوله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ لِكلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ”، فجزم بوجود الدواء للداء، وفيه استحباب التدواي، وهو مذهب الشافعي وجمهور السلف وعامة الخلف، وفيه ردٌ على من أنكر التداوي من غلاة الصوفية فقالوا: كلُّ شيءٍ بقضاءٍ وقدر ولا حاجة إلى التداوي، وهذا الحديث وأمثاله حجة عليهم”. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ اللهَ خَلَق الدَّاءَ والدَّوَاء، فتَدَاوَوا ولا تَتَداوَوا بِحَرَام” ( أخرجه أبو داود وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم 1762).
وإنَّ من أعظم ما يُتداوى به في العِلَلِ عامةً، وفي العين والحسد والسحر والمس خاصةً كلام الله تعالى، ففيه الشفاء التام من كل هذه الأمراض، وهل هناك أنفع من أن يُنَفِّس المسلمُ عن أخيه المسلمَ برقية من كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟ لمن نزل به مرض أو علة، أو يرقيه علاجاً للسحر أو للصرْع أو للعين أو للحسد، فأي شفاء لهذه الأمراض خير من كلام ربنا سبحانه وسنة المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه؟
قال ابن القيم رحمه الله: “وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وأنَّ تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن ترْكها عجزاً ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً، ولا توكله عجزاً، وفيها رد على من أنكر التداوي وقال إن كان الشفاء قد قُدِّر فالتداوي لا يفيد وإن لم يكن قد قُدِّر فكذلك. وأيضاً: فإن المرض حصل بقدَر الله، وقدَر الله لا يدفع ولا يرد، هذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أفاضل الصحابة فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا، وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما شفى وكفى. إن “هذه الأدوية والرُّقي والتُّقَى، هي من قدر الله، فما خرج شيء عن قدره بل يُرد قدرُهُ بقدرِهِ، وهذا الردُّ من قدره فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما، وهذا كرَدِّ قدَر الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، وكرَدِّ قدَر العدو بالجهاد وكلٌ من قدَر الله الدافع والمدفوع والدفع” (زاد المعاد 4/16).
– شروطها: أجمع العلماء رحمهم الله أنَّ الرُّقيةَ حتى تكون شرعية صحيحة يجب أنْ تتوفر فيها أربعة شروط، هي: أولاً: أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته. ثانياً: أن تكون باللسان العربي، أو بما يعرف معناه، لا بالألفاظ المجهولة والمُطَلْسَمة والتَمْتَمَات التي يقولها المشعوذون والدجالون خفية. ثالثاً: أن يكون الراقي من أهل التوحيد والعقيدة الصحيحة، فلا يذهب طالب الرقية إلى المشعوذين والدجالين وإلى السحرة يطلب عندهم الرقية. ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان الكهان والعرافين فقال عليه الصلاة والسلام: “من أتى كاهنا لم تقبل له صلاة أربعين يوما”، وفي حديث آخر: “من أتى عر افا أو كاهنا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد”. ومثل هؤلاء السحرة والدجالين والمشعوذين والكهان لا يعرفون الحق من الباطل، ويريدون كسب المال بأي وجه كان, فليحذر المسلم طالب الرقية من هؤلاء فلا يدفعك حرصك على الشفاء والخلاص من المرض إلى الوقوع في الشرك والكفر على يد هؤلاء الدجالين والسحرة والمشعوذين الذين يأمرون بالدعاء لغير الله والذبح لغير الله، وهذا شرك يورد صاحبه المهالك.
رابعا: أن يُعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بفعل الله سبحانه، وما هي والراقي إلا سبب. انظر (فتح الباري 10/195، وشرح النووي 14/ 168 و شرح الزرقاني 4/411 وفيض القدير 1/558). وقال النووي رحمه الله: “وأما الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة، فلا نهي فيها، بل هو سنة”. (شرح مسلم 14/168). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “نهى علماء الإسلام عن الرُّقي التي لا يُفقه معناها، لأنها مَظنَّة الشرك، وإنْ لَمْ يَعرف الرَّاقي أَنهَّا شرك” (إيضاح الدلالة في عموم الرسالة، وانظر: الرسائل المنيرية 2/103).