لماذا اخترنا الملف؟

مع مطلع شهر مارس من كل سنة يتجدد الحديث عن المرأة وحقوقها ومكتسباتها وتطلعاتها، وهو شهر دأبت الحركات والمنظمات والجمعيات والأحزاب العلمانية على استغلاله للتسويق لمشروع المرأة وفق تصورهم.
ولا بد لمتتبع مستجدات ومجريات وخرجات زعماء هذا التيار أن يدرك أن مواقف القوم كانت متباينة هاته السنة، بين مثمن لجهد الحركة النسوية العلمانية وما حققته على أرض الواقع، ومشجب للفتور النسبي الذي وسم عمل مكونات الحركة النسائية المغربية، والذي جاء مباشرة بعد إقرار مدونة الأسرة سنة 2004.
ومما يؤاخذ على هاته الجمعيات اهتمامها البالغ بالقشور والتركيز عليها، دون الحديث عن اللب والمضمون بشكل مناسب ومتوازن، وعدم إعطاء قضايا جوهرية تمس المرأة أساسا العناية والاهتمام، ودغدغة الأحاسيس وتهييج العواطف لكسب أصوات الناس إلى صفهم -لاسيما عند النساء-؛ باستخدام عبارات تبالغ في وصف النساء المظلومات؛ المسجونات؛ مسلوبات الحقوق؛ مكسورات الجناح..؛ وفي المقابل تجعل الرجل كبش الفداء، وتتهم الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة بوصفها لا تجعل للمرأة قيمة معنوية سوى الاستمتاع المجرد؛ وحضانة الأولاد؛ وخدمة البيت؛ في لغة متباكية حزينة. والواقع السيئ -للأسف الشديد- يمدهم بأدلة ووثائق يستغلونها لإثارة هذه القضية.
كما تلجؤ مكونات الحركة النسائية -ومن يقف في صفها- إلى استغلال ما يقع من ظلم واحتقار للمرأة لا يقره الشرع لإقحام أمور شرعية أخرى مع تلك العادات القبيحة المحرمة؛ بدعوى أن فيها احتقاراً للمرأة، تلبيساً على الناس. ولو أنهم اقتصروا في دعوتهم على محاربة العادات القبيحة المخالفة للشرع أصلا والتي لم ينـزل الله بها سلطاناً لوجدوا أن أهل الخير والصلاح أول من يعينهم، ولكنه الغي والهوى.
إن المخطط التغريبي الذي تتخبط المرأة اليوم في لججه قد بدأ أول ما بدأ يوم أرسلت البعثات التعليمية إلى بلاد الغرب (فرنسا وانجلترا..)؛ وكان في مقدمة هؤلاء المبتعثين أشخاص لهم التأثير البارز في حياة الحركات النسوية اليوم، أبرزهم رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين الذين استقوا ثقافتهم من تلك البلاد وبهرهم زيف حضارتها، فرجعوا إلى بلادهم يطالبون بكل جرأة وتحدي إلى تطبيق المبادىء الغربية التي تعلموها على أبناء الجيل الناشئ. فكان رفاعة الطهطاوي يقول: “السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعياً إلى الفساد؛ والرقص على الطريقة الأوروبية ليس فسقاً، بل هو أناقة وفتوة”.
أما تلميذه قاسم أمين -الذي يتغنى العلمانيون دوما بكتبه- فبعدما رجع من فرنسا ألف كتابه المشهور تحرير المرأة، وكتب فيه أنه يتطلع إلى ذلك اليوم الذي يرى فيه المرأة متحررة من قيود الحجاب والعادات والتقاليد مثل أختها الفرنسية.
وتبعهم على هذا المنهج المنحرف جحافل من المستغربين؛ كهدى شعراوي رائدة العمل النسائي في ذلك الوقت ومؤسسة الاتحاد النسائي المصري، ومن بعدها درية شفيق التي كانت تهاجم بكل جرأة أحكام المرأة في الشريعة الإسلامية؛ وهي التي بثت فكرة تقليد المرأة الغربية حيث قالت: “فلنأخذ القدوة من أهل القدوة وليكن في السيدة الإنجليزية وعلى رأسها ملكة بريطانيا مثالاً لنا في كفاحنا من أجل السيدة المصرية”.
فإذا كانت التجربة قد أيقظت المرأة الغربية التي قطعت شوطا كبيرا في العلمنة والحداثة والتمدن وحققت مكاسبة واسعة في مجال الحقوق والمساواة وجعلتها تثوب إلى رشدها وتقر بطبيعتها وأنوثتها، بعد أن كشفت بنفسها زيف الحرية ووهم التحرر والمساواة المزعومة، فحري بالمرأة المسلمة أن تأخذ الدرس من هاته التجربة وتستفيد منها؛ حتى لا تواجه المصير الأسود ذاته، فالسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه.
لقد بات من الضروري والمؤكد اليوم على المرأة المغربية المسلمة أن تنظر بعين ثاقبة ونظرة متأنية إلى سمو الشريعة الإسلامية الكاملة والشاملة لجميع نواحي الحياة؛ المنزهة عن كل نقص؛ المُصلحة لكل زمان ومكان، وأن تكون على علم وبصيرة بحقيقة الدعاوى التي ترفعها الجمعيات والمنظمات والحركات النسائية؛ وتعلم أن السبيل الوحيد لمقاومة هذا المد الغربي الجارف هو الانكباب على تحصيل العلم الشرعي الذي يجعل المرأة والرجل على حد سواء يبصران سبيل الرشاد وسبيل الضلال، ويتمسكا بغرز الدين، ويتعظا بما آل إليه حال الأسرة في الغرب.
ولتسليط الضوء أكثر حول هذا الملف الهام، ارتأت جريدة السبيل فتح هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *