أنواع المخدرات
ليس هناك نوع واحد من المخدرات، بل ذكر منها نيكول مايستراشي تسعة أنواع، في كتابه “المخدرات”. فأتت هذه الأنواع –في هذا الكتاب-كما يلي:
– الكحول: وهي “من أقدم المؤثرات العقلية، ويعود تعاطيها للعصور القديمة، سواء في سياق طقوسي مقدس، ودي أو احتفالي”، و”تُنتَج بتخمر مواد نباتية غنية بالسكر مثل التفاح، والجنجل، والبطاطس، والقمح…”.
– التبغ: وهو “نبات يزرع اليوم في أنحاء عدة من العالم. حيث تجفف أوراقه وتخمر بغية الحصول على مذاق محدد”.
– القنب: نبات “يستخدم منذ آلاف السنين لأغراض ترفيهية وطبية”، و”يأتي على هيئة عشب (المارخوانا) أو حشيش أو زيت”. ويعد “CHT الجزيء النشيط في نبتة القنب المسؤول عن تأثيره العقلي”.
– الهيروين والمواد الأفيونية: وهي “مختلف المنتجات المشتقة من الأفيون” الذي هو “مادة مستخرجة من نبات الخشخاش”.
– الكوكايين: وهو مستخرَج من نبات الكوكا، ونبات الكوكا هذا هو “من أعشاب جبال الأنديز، ويزرع في أمريكا الجنوبية أساسا، فضلا عن أندونيسيا وشرق إفريقيا”.
– المخدرات الاصطناعية: هي “ترابطات من الجزيئات الكيميائية المركبة بهدف إحداث أثر منبه”، كما أنها عبارة عن “مخدرات نشوة مستخلصة من الأمفيتامينات التي هي أدوية منبهة باتت تستعمل في سياق ترفيهي أو بهدف تعزيز الأداء الرياضي أو المهني، بعد أن كانت تستخدم سابقا في الميدان الطبي”.
– المخدرات الأخرى: مركبات صناعية، من أمثلتها: ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك، حمض غاما هيدروكسي، نيترات الألكيل، الكيتامين، المواد المذيبة، الفطريات المهلوسة… إلخ.
– الأدوية المؤثرة عقليا: أدوية تستعمل في العلاج العقلي والنفسي، وتم نقل استعمالها لغايات التخدير. ولا تخرج هذه الأدوية عن أربعة أصناف: “المنومات، الأدوية المزيلة للقلق، مضادات الاكتئاب، مهدّئات الاضطرابات العصبية”.
– المنشطات الاصطناعية: وهي منشطات يتم تناولها في: “المنافسات الرياضية، والامتحانات، ومقابلات التوظيف، ومختلف الظروف الاجتماعية أو المهنية العسيرة”. (1)
الملاحظ من خلال هذا العرض الذي قدمه نيكول مايستراشي، في كتابه “المخدرات”، هو أن:
– النبات الذي يحتوي على موادّ مخدرة لا يستخدم لأغراض التخدير فقط، بل لأغراض التطبيب أيضا. والأصل أنها استعملت قديما لهذه الأغراض الأخيرة، بعدما استعملت للتخلص من مخاوف الطبيعة (كما سيتقدم).
– استعمال المواد المخدرة في أصلها الطبيعي كان أقل خطورة وضررا، من استعمالها بعد الاستخلاص الصناعي للمخدّر من أصلها. وذلك، لأن التصنيع يضاعف تركيز المخدر، ويوفره بشكل مضاعَف بغرض المتاجرة والربح.
– الانتقال من المخدرات المستخلصة صناعيا من الطبيعة إلى أخرى صناعية مئة بالمئة، من شأنه أن يفاقم عوامل الخطر والضرر، نظرا لما تحمله المنتوجات الصناعية الخالصة من خطر على صحة الإنسان، ونظرا لما تتيحه من قدرة على مضاعفة إنتاج المواد المخدرة، وإغراق السوق بها.
– تناول الأصحاء لأدوية المرضى العقلانيين والنفسانيين، يدل على فظاعة الواقع الذي أصبح يعيشه الإنسان. الأمر الذي سيجعل من الدواء مخدرا يطلبه الأصحاء، فيرتفع عدد المرضى العقلانيين والنفسانيين، كما تجد الدول نفسها في ورطة فرض الرقابة على سوق المخدرات.
المخدرات في زمن ما قبل التاريخ
“ما قبل التاريخ”، أي “ما قبل الكتابة والملكية الخاصة والطبقات والدولة”. هناك حيث كان “الإنسان” لتوّه يكتشف الطبيعة، ويحاول التغلب على مخاوفها. في تلك “المرحلة” بالضبط، يزعم بعض الأنثروبولوجيون عجز “الإنسان” عن النوم، من شدة الخوف. فقد كانت مخاوفه شتى في النهار، في مجال (جغرافيا/ طبيعة) تملأه التحديات والأخطار. أما في الليل، فقد كانت مخاوفه تتضاعف إثر ما يجلبه الظلام من اشتداد لتلك التحديات والأخطار، وكان لا يقدر بسبب ذلك على النوم إلا على مضض وبصعوبة، الأمر الذي يؤثر سلبا على صحته وقدرته على العمل نهارا.
وعلى هذا الأساس، فقد اعتبر أنثروبولوجيون اكتشاف بعض النباتات المخدرة ثورة في حياة “الإنسان”، إذ جعلته ينسى مخاوفه ويتغلب عليها طيلة الليل، ليقوى على العمل طيلة النهار.
المخدرات في الحضارات القديمة والوسطى
كانت الحضارات القديمة تستعمل المخدرات لعدة أغراض، منها: التطبيب، الترفيه، ممارسة الطقوس الروحية… إلخ. فكثير من المخدرات الرائجة اليوم، هي قديمة قدَم الإنسان. ومنها ما يعود إلى حوالي 70 قرنا قبل الميلاد، كمخدر الأفيون مثلا. وكانت الكحوليات والقنب الهندي والأفيون، هي المخدرات التي عُرفت بها الحضارات القديمة والوسطى (العبودية والإقطاعية)، قبل أن تستخلَص منها أخرى عُرِفت بها الحضارة الحديثة.
نستعرض الكرونولوجيا أسفله، ليس بهدف التأريخ المرحلي لظهور واستعمال مخدرات بعينها، وإنما من باب معرفة الزمن الذي يعود إليه استعمالها، وكذا مختلف مجالات هذا الاستعمال.
7000 سنة قبل الميلاد: استعمال الأفيون من قِبل سكان آسيا الوسطى، بعد استخراجه من نبات الخشخاش.
4000 سنة قبل الميلاد: استعمال الأفيون من قبل المصريين القدامى، بعد استخراجه من نفس النبتة (الخشخاش)، حيث كان يستعملونه لأغراض طبية (التخفيف من الآلام وتسكينها).
3300 قبل الميلاد: استعمال الأفيون من قبل السومريين (بلاد ما بين النهرين)، الأمر الذي تأكد بالرسوم التي تركوها منقوشة على مبانيهم (رسوم موسم حصاد الأفيون).
2737 سنة قبل الميلاد: اكتشاف الصين للقنب الهندي واستعماله كمخدر “واهب للسعادة” منذ ذلك الوقت، بأمر من الإمبراطور “سن ننج”.
200 ق. م: استعمال الصين للخمر (شراب العنب)، بعد استيراده من الإمبراطورية الرومانية. وكانت الصين، قبل ذلك، تصنع الخمور بتخمير الأرز والقمح والبطاطس.
القرن 6 م: استعمال الهند للقنب الهندي في مبادلاتها التجارية مع الصين.
القرن 8 م: بعض القرائن تثبت بداية استعمال القنب الهندي من قبل العرب والمسلمين، بغرض التطبيب. ومن هذه القرائن، اتخاذه كعلاج لعدة التهابات من قبل ابن سينا.
القرن 11 م: استعمال القنب الهندي من قِبل القرامطة، حيث كان حسن بن الصباح (رئيس القرامطة وزعيمهم) يهديه للصفوة من حاشيته والمحيطين به، ولذلك سمي القرامطة ب”الحشاشين”. (2)
المخدرات في الزمن الحديث
وفي الزمن الحديث، زمن “الرأسمال”، ستصبح المخدرات صناعة وتجارة رأسماليتين. وهو الأمر الذي سيفاقم ضررها، وسيجعل منها سلاحا في يد “الكبار”. وهكذا ستتحول إلى وسيلة للاغتناء من تجارة السوق السوداء، و”تقليل الأفواه” بخلق إنسان مريض بلا غاية ولا أفق، بل بلا صحة ولا قدرة على الحياة (في زمن رجعية الرأسمالية). تعرف “رأسماليات السوق السوداء” أن المخدرات تدر من الربح، أكثر مما يدره استثمار أصلها الطبيعي (نبتتها الأصلية) في صنع الأدوية وغيرها من المنتوجات غير المخدرة، وأنها مطلوبة للإجهاز على الطبقات الدنيا وتخدير أبنائها. ولذلك، فهي (رأسماليات السوق السوداء) تفضل المتاجرة في المخدرات على المتاجرة في الدواء. وبالرغم من أن المتاجرة في الدواء عمل لا إنساني (فالدواء للجميع)، إلا أن المتاجرة في المخدرات أكثر جرما خطرا وإنسانية، لا من حيث فعل المتاجرة هنا، بل من الترويج للمخدرات في حد ذاته، وغن كان بالمجان.
إن للمخدرات، في الزمن الحديث، عدة مظاهر لنقلها واستعمالها والمتاجرة فيها واتخاذها سلاحا للاستعمار والاستغلال على باقي الشعوب (غير الغربية). وتتجلى هذه المظاهر فيما يلي:
– السياق الرأسمالي لنقل المخدرات إلى الغرب: عُرفت المخدرات، في أوروبا وأمريكا، في زمن متأخر، مقارنة بباقي الحضارات والأمم الأخرى. والملاحَظ هو أنها نُقِلت إلى الغرب بعد عودة الغزاة من الشرق (نقل القنب الهندي من قِبل جنود نابليون والأطباء الإنجليز العائدين من الهند) وأمريكا الجنوبية (نقل التبغ من البرازيل إلى البرتغال).
– المخدرات كوسيلة للاستعمار واستهداف الشعوب: مِثله الذي حدث مع الصين، في بدايات القرن 19 م، حيث فرضت إنجلترا على الصين السماح لها بالمتاجرة بالأفيون، على أراضيها، بعد انهزامها في حرب الأفيون (حرب بين إنجلترا والصين، ما بين 1839 و1842 م). وهكذا ربح الرأسمال الإنجليزي على واجهتين: الربح من تجارة الأفيون في الصين، إضعاف الشعب الصيني بنشر الإدمان بين أفراده (حوالي 15 مليون مدمن).
– الاجتهاد في استخلاص مخدرات جديدة من تلك الشائعة: حيث تمّ، في النصف الأخير من القرن 19 م، استخلاص مخدر المورفين من الأفيون، وكذا استخلاص الهيروين من المورفين، واستخراج الكوكايين من شجرة الكوكا. عمليات من تصنيع الطبيعي، وتصنيع المصنع، كانت هي السمة الأبرز لرأسمالية القرنين 19 و20 م، بخصوص تصنيع المخدرات. وتلك قرينة على تزايد الطلب عليها، بالموازاة مع مضاعفة ترويجها والمتاجرة فيها، في زمن رجعية الرأسمالية وظهور طابعها الاستغلالي.
– المخدرات كوسيلة للاستغلال: حيث عملت الرأسماليات على اعتماد المخدرات والترويج لها في صفوف العمل، حتى يكونوا أكثر قدرة على تحمل مشاق العمل الاستغلالي.
– تصنيع مخدرات اصطناعية: حيث ستصبح الصناعة في خدمة “رأسماليات السوق السوداء”، لا في خدمة الإنسان. وبالموازاة مع الخصاص الذي تعانيه البشرية في أبسط متطلبات المعيشة، يتم الإفراط في تصنيع مخدرات اصطناعية، بغرض تعويض نقصها الناتج طبيعيا.
– استعمال أدوية الأمراض العقلية بغرض التخدير: جرائم “الرأسمالية المتوحشة” لا حدود لها، تنتج المرض العقلي، وتنتج له دواء باهظ الثمن، ثم تسرب هذا الدواء للأصحاء، بغرض إنتاج الإدمان والمرض العقلي من جديد. وهكذا تضاعف بؤس الطبقات الدنيا، ومعه تضاعف أرباحها. (3)
الهوامش:
(1): نيكول مايستراشي، المخدرات، ترجمة زينا مغربل، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الطبعة العربية الأولى، 2014، الصفحات: من ص 32 إلى ص 66.
(2): دراسة بعنوان “تاريخ المخدرات”، على موقع “الجزيرة-نت”.
(3): راجع المرجعين السابقين.