لعل من أهم المواضيع التي لا تزال تحتاج إلى بحوث متخصصة في بابها، موضوع “السفور أو التبرج”، لكي نقف على تاريخ دخول السفور إلى المجتمع المغربي بالتحديد، ونعرف مَن هم دعاته من المغاربة والمغربيات، وما هو الدور الذي لعبه الفكر التغريبي في محاربة الحجاب، وذلك حتى نتمكن من تفسير عدة ظواهر سيئة، وسلوكيات مشينة نعيشها الآن، ولم يسبق لها نظير في تاريخ أمتنا، وتشبه إلى حد ما سلوكيات بعض القبائل البدائية التي تعيش في غابات الأمازون والتي لم تكتشف إلا في المدة الأخيرة، مثل ظاهرة العري على الشواطئ وظاهرة التنافس بين النساء في إظهار أكبر جزء من أجسادهن على الطرقات بل حتى في بعض الإدارات والمؤسسات خصوصا التعليمية منها للأسف.
ثم نحن في حاجة لدراسات تفسر لنا العوامل المؤثرة في التطور القسري للباس المرأة المغربية حيث انتقلت من ارتداء الحايك الذي لا تُرى منه إلا عين واحدة، إلى “الجلابة” (بالقب واللثام) إلى “جلابة” بغطاء الرأس مع كشف الوجه، ثم منهما إلى “جلابة” مع إظهار جزء من العنق وشعر الرأس، ثم إلى كشف الشعر بالكلية ثم إلى تقليد النساء الغربيات في اللباس دون قيود ولا ضوابط، حتى آل الأمر إلى ما يشبه فوضى أخلاقية أهم معالمها العري الفاضح والتهتك الماجن، لم تكن لتستشري في مجتمعنا لولا توافر عدة أمور أهمها:
1- فراغ قانوني مقصود في تحديد مواصفات الأزياء امتثالا لأحكام الألبسة من الفقه المالكي المعمول به في المملكة.
2- تجاهل فظيع لأحكام اللباس الشرعية في المقررات التعليمية، مع الإشادة بالتبرج من خلال تربية الأطفال على الصور التي تظهر فيها النساء متبرجات، وتلقينهم مغالطات معرفية (المستوى الرابع ابتدائي) يدعي مختلقوها أن التبرج طبيعي يندرج ضمن عملية التطور التي عرفها اللباس في المغرب خلال القرن العشرين.
3- سخافة فكرية يروجها التغريبيون ترى أن الحجاب والنقاب رجعية وأن السفور والتبرج حضارة ومدنية، وتعمل باستمرار على محاربة أحكام الشريعة الإسلامية المنظمة للباس المرأة المسلمة، وتشجع على عدم الاحتفال بها، أو الخضوع لها معتبرة أن حجاب المرأة انتهاك لحقوقها..
4- حرب اقتصادية (الموضة والإعلانات التجارية) ألغت الحجاب بل الألبسة المحتشمة عامة من السوق، بحيث لا تكاد تظفر بلباس يستجيب لأحكام الشرع إلا مع التعب والنصب.
5- وقاحة إعلامية (القنوات والجرائد الوطنية) لا تفتر عن نشر الصور الخليعة بل أصبحت في الأشهر الأخيرة تنشر الصور البورنوغرافية دون حسيب في صفحاتها التي تستهدف أبناء المغاربة كصفحة الأحداث التي تسميها الساخنة.
6- التضييق على المحتجبات والمنتقبات اللاتي يحتجن إلى العمل في إدارات الوظيفة العمومية أو الشركات الخاصة مما يعد انتهاكا لحقوق المرأة، في حين يسمح بل يُفرض نمط فاضح من الأزياء على المرأة حتى تسهم بجسدها في الترويج للبضائع جلبا للمزيد من الزبناء.
فعندما تغيب الفكرة المقنعة للعقول تحضر الصورة المثيرة للغرائز؛ فتصبح عملية التفكير من اختصاص أعضاء في الجسد لم يدع أحد من السابقين ولا من اللاحقين أنها مكان تواجد العقل في الإنسان.
فالمفسدون يجعلون محل عقل زبنائهم في أعضاء الشهوات. لذا يغلب على الدعاية لمنتجاتهم ما يهيج تلك الشهوات ويحرك الغرائز دفعا منهم لعموم الناس حتى يستهلكوا ما تنتجه الآلات الرأسمالية الليبرالية من بضائع تحتاج من أجل استهلاكها إلى إنسان متحرر من القيود، متفلت من الضوابط، متخفف من الاحترازات، لا تكفه شريعة بأحكامها أن يستهلك كل ما يقدم له، ولا تمنعه العادات والتقاليد مهما كانت صائبة من أن ينغمس في كل ما تنتجه قطاعات اللذة؛ التي تفننت في طرق إخراج الأموال من جيوب الأفراد لترفع أرصدة أربابها في البنوك.
لكن ما كان للمفسدين المغتنين من قطاعات إنتاج اللذة أن ينجحوا في مساعيهم لولا الزواج الفاسد الذي أبرمه الشيطان بين الصحافة المتاجرة بقيم الأمة وبين الفكر العلماني المنحرف. فما عَظُم البلاءُ إلا عندما اجتمعت قوة الإغراء مع قوة الشبهة فخارت القوة الممانعة في قلوب الكثير من الناس خصوصا مع ضعف الوازع وغياب التوجيه الديني.
وعلى العموم فإن موضوع اللباس مرتبط بالمرجعية الدينية والعقدية والفكرية للأفراد والجماعات، لذا نجد أن كل الشرائع نصت على الحجاب، وذمت العري والسفور، حيث كان الحجاب هو لباس البشرية لقرون عديدة، ولم يكثر العري فوق البسيطة إلا عندما صار للعلمانية دول تحكم بالشرائع البشرية المتناقضة مع الشريعة الإلهية.
فهذه لبنان -مجمع الطوائف المتناحرة- التي تصدر اليوم لكل البلدان الإسلامية أجساد بناتها المغنيات المتهتكات العاريات، وكأنهن يستكملن عملية الإفساد التي بدأت منذ قرابة قرن ونيف من الزمن، لبنان التي لا يتخيل من يجهل تاريخها أنها لم تعرف التبرج إلا في ظل الاحتلال الفرنسي العلماني؛ يقول المؤرخ اللبناني النصراني فيليب حتي (1886م/ 1978م) واصفا أحوال بيروت قبل الغزو العلماني لها: “لم يكن مألوفا أن يُرى الرجل متأبطا ساعد امرأة خارج البيت، وقلّ أن يرى المرء في شوارع بيروت رجالا أوربيين يرتدون ملابسهم الغربية، وإذا تجرأت امرأة غربية -زوجة قنصل أو تاجر- أن تتنقل خلسة من بيت إلى بيت، فإن ذلك كان أمرا يسترعي انتباه الناس…، وفي جميع هذه المدن اللبنانية كانت المرأة النصرانية تغطي وجهها بحجاب كما تفعل المرأة المسلمة”. تاريخ لبنان.
إن حجاب المرأة حقيقة تاريخية، وعرف مضطرد، وخلق رفيع، وقبل هذا كله وبعده، شعيرة محكمة من رب العالمين، وما انتهكت هذه الشعيرة في البلدان الإسلامية إلا بعد غزو الاحتلال الغربي العلماني الملحد لشعوبنا وبلداننا، وانخراط المستغربين والمنهزمين من المسلمين في منظومته الفكرية والسياسية، فأجبروا نساءنا على السفور والتبرج تحت التهديد بالسجن والعقاب (تركيا، تونس، ألبانيا…)، والتضيق والإرهاب الفكري والمغالطات وتكميم الأفواه (المغرب ومصر وسوريا…).
فكيف بعد هذا ينكر العلمانيون الحجاب، ويدعون أنه ظهر مع الثورة الخمينية؟
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم الطالب/جريدة السبيل
يقال: “اختيار المرء قطعة من عقله”.
إذا أردنا أن نعمل هذه المقولة الصادقة في موضوعنا لابد أن يقفز إلى أذهاننا سؤال هل للذين يعرضون عوراتهم من النساء والرجال في الأماكن العمومية