مخرجات التعليم في بلادنا تثبتا لنا أنه ثمة خللا أو أعطابا أصابت تعليمنا، وإذا تأملنا مليا وجدنا شبابنا يعاني -مما يعاني منه- أزمتين خطيرتين: أزمة فكرية تتعلق بعقولهم، من أسبابها مناهج التعليم في البلاد. وأزمة أخلاقية متعلقة بضمائرهم، من أسبابها مناهج التربية في البلاد.
وهذا وغيره ناشب عن سوء فهم لديننا الإسلام. بسبب الاجتياح الخطير الذي تعرضت له الأمة ، فشلّت عن طريق تحريف المفاهيم والأفكار كل المؤسسات، بما فيها مؤسسات التربية والتعليم. حتى كانت النتيجة كما قررناه سابقا: مخرجات أشباح بلا أرواح.
وتزيد المصيبة ألما بمخرجات التعليم الديني التي أصيبت بما أصيب به غيرها من مؤسسات التربية والتعليم.. فقدمت للأمة جيلا من مخرجاتها لا علاقة له بجوهر الإسلام ولبه ومقاصده. جيل لا تجاوز حناجره الوعظ والتوجيه والإرشاد..، لا فرق بينه وبين من يزاول وظيفته في غير مؤسسة المسجد. إنه نتاج هذا المنهج والأسلوب، وفشل هذا المنهاج المسلوب. الذي خرج لنا دعاة بالوراثة، أو ما سماه أحد العلماء :”بالمسلم الجغرافي” وبيَّن أحد المنصّرين خطره على الأمة بقوله: شجرة الإسلام لا يقطعها إلا أحد أبنائها!! وصدق وهو كذوب! لأن المفروض من صاحب الشجرة أن يرعاها ويحفظها ويسقيها ويتفقدها؛ وإن هي أثمرت وأنبتت من كل زوج بهيج أن يقدم ثمارها إلى كل قريب وحبيب…وإذا لم يقم بذلك فهو كمن يقطعها، ويحرم غيره من ثمارها، لأن الترك فعل كما حققه أهل العلم إذا بني على قصد التعبد.
يقول الشيخ عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الشنقيطي رحمه الله في ألفيته :
ولا يكلِّفُ بغير الفعل باعثُ الانبيا وربُّ الفضل
فكفنا بالنهي مطلوب النبي والترك فعل في صحيح المذهب
إن تعليما كهذا! لا يمكن أن يثمر لنا جيلا كجيل الإسلام الأول؛ إسلام القرآن وإسلام السنة. بل وكما نرى اليوم تمثلات الإسلام لا تتعدى ضمير أتباعه. حتى أضحينا نرى أناسا يعبدون الله بأجساد العبادة، وقلوب العادة. وهذا أخطر ما في الأمر، أن يصل أعداء الإسلام إلى أهدافهم من جعل المسلمين دوائر وجماعات، دائرة من يحيا بغير الإسلام. ودائرة تحيا بالإسلام في ضمائرها فقط، فالإسلام عندها علاقة شخصية بين العبد وربه. ودائرة قصرت الإسلام داخل جدران المساجد.. وهكذا .
وأما التعليم المقصود شرعا والمطلوب واقعا فهو التعليم الذي قصده مسروق رحمه الله حين قال: “بَحسْبِ امرئ من العلم أن يخشى الله، وبَحسْب امرئ من الجهل أن يُعجبَ بعلمه”. إنه العلم المقرون بالتربية الصالحة، فبه يعبد المسلم ربَّه على بصيرة، وبه يعامِل الناسَ بالحسنى، وبه يسعَى في مناكبِ الأرض يبتغي عند الله الرزقَ، وبه يبني حضارة أمته ويبلغُ الأمجاد ويحصِّل النماء ويحقق البناء.
إنه علم السلف الذي يُجلِس صاحبَه مجالسَ الملوك، ويرفع صاحبه في الدنيا والآخرة، {يَرْفَع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} المجادلة:11، وإذا كان العلم مجرَّدًا من التربيّة، خواءً من المبادِئ، فهو وبالٌ ونقمة؛ ولذا ارتبطتِ التربيةُ بالتعليم، والعِلم بالعمَل، والمفردات بالمبادِئ والسلوك، فالفكرة قبل الحركة، والعلم إمام العمل، والقراءة باب العلم.. ولهذا كان أول ما أنزل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} العلق.
ففي القرآنِ العظيم آياتٌ تتلَى إلى يوم الدين فيها أدَبُ الحديث، وأصولُ العلاقات الاجتماعية، وبِرّ الوالدين، والعِشرة الزوجية، والعلاقات الدولية في السِّلم والحرب، بل فيه أدبُ الاستئذان وأدبُ النظر… وما سورة النساء والأنفال والحجُرات والنور ببعيدة عمن أبصر بصائرها. وأما السنّة والسيرة النبوية فعالَمٌ مشرِق بالمُثُل العليا وأصول التربية.