كيفية التعامل مع تراث الفلاسفة التائبين
هؤلاء الثلاثة: أبو علي ابن سينا وأبو حامد الغزالي والفخر الرازي، هم من كبار الفلاسفة المسلمين الذين رُوي أنهم تابوا في أخريات حياتهم عما كانوا فيه من كلام وفلسفة، ورجعوا إلى الكتاب والسنة، وتركوا تراثا فكريا غزيرا، يُعبر عن توجهاتهم وقناعاتهم الفكرية قبل مرحلة التحول الأخيرة، فكيف نتعامل معه؟ ليس أمامنا إلا ثلاثة حلول لا رابع لها، إما أن نقبله كله، وإما أن نرفضه كله، وإما أن نأخذ منه ما يصح ونترك ما لا يصح.
وقبل التعليق على هذه الحلول أذكر كلاما قيما للشيخ تقي الدين بن تيمية، تعرّض فيه للموضوع الذي نحن بصدد الخوض فيه، فذكر أن كثيرا من المتكلمين والمتفلسفين الإسلاميين تابوا في أخريات حياتهم عما كانوا فيه، والله تعالى يقبل توبة عباده ويعفوا عن السيئات، لكن بقاء كلامهم وكتبهم وآثارهم هو (محنة عظيمة في الأمة، وفتنة عظيمة لمن نظر فيها، ولا حول و لا قوة إلا بالله).
وقوله هذا صحيح، فهؤلاء تابوا إلى الله تعالى عما كانوا فيه من ضلال، وتركوا انحرافاتهم الفكرية في مصنفاتهم يكتوي بها من جاء بعدهم وتأثر بأفكارهم من جهة، وساهمت -أي انحرافاتهم- في تشويه الحضارة الإسلامية وتخريب فكرها من جهة أخرى.
وأما بالنسبة للحلول المذكورة سابقا في طريقة تعاملنا مع تراث هؤلاء التائبين، فإن الحل الأول المتمثل في قبول كل ما تركوه، فهو حل لا يصح الأخذ به لأمرين أساسيين، أولهما إنه من الخطأ والمغالطة والتزييف أن ننسب للتائبين أفكارا تخلّوا هم عنها، بعدما تبين لهم زيفها. وثانيهما إن نسبة تراثهم إليهم -بعد توبتهم- هو كذب عليهم وطعن فيهم، وتشويه لأفكارهم وسلوكياتهم التي ارتضوها في أخريات حياتهم.
وأما الحل الثاني المتمثل في التخلي عن كل تراثهم قبل توبتهم، فهو الحل الأمثل في حق الذين ليس لهم القدرة العلمية على التمييز بين صحيح أفكار هؤلاء من سقيمها.
والحل الثالث هو الآخر يمكن الأخذ به، فتأخذ صحيح أفكار هؤلاء التائبين ونترك سقيمها، وميزاننا في ذلك الكتاب والسنة، وما أجمعت عليه الأمة، وما دل عليه العقل الصريح والعلم الصحيح، على أن تكون المرجعية النهائية للقرآن الكريم والسنة الصحيحة الموافقة له.
ومن المؤسف حقا أن معظم أو كل مصنفات أبي علي ابن سينا وأبي حامد الغزالي والفخر الرازي، التي صُنفت قبل توبتهم تنُشر في وقتنا الحاضر على أنها تمثل أفكار هؤلاء، ولا يُذكر فيها أن أصحابها تابوا عنها، لذا فإنه من الواجب أن لا تُطبع هذه الكتب إلا لضرورة وبأعداد قليلة، على أن تُلحق بها تنبيهات وتحذيرات وملاحظات عن هذه الكتب وأصحابها.
كان هذا تعليقنا على توبة طائفة من كبار الفلاسفة المسلمين عن أفكارهم وسلوكياتهم المنحرفة وعلاقتها بتراثهم العلمي، فما هي الأسباب التي أوصلتهم –وغيرهم- إلى الانحرافات السلوكية التي ذكرناها سابقا فكانت وسيلة فعالة بيد علماء أهل السنة لمقاومتهم؟