قبل أربع سنوات من اليوم، وبالضبط في سنة 2009 شن حميد شباط الأمين العام الحالي لحزب الميزان حملة ضارية على حزب الوردة، ووصف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بـ”حزب المخربين”، وزعيمه بنبركة بـ”القاتل”، وحمَّل قيادات حزب الوردة الحمراء مسؤولية الاعدامات والأحداث الدامية التي وقعت بمنطقة الريف ومناطق أخرى من المغرب.
وقال شباط في ندوة صحفية: “قتلوا ما قتلوا باسم حزب الاستقلال، وشوهوا صورتو، والإعدامات التي عرفها الريف ومناطق أخرى، المسؤول عنها هو ما يسمى المرحوم بنبركة الذي كان يتحكم في الحزب ويقتل الوطنيين عندما كان علال الفاسي منفيا خارج الوطن…”، وذكر شباط أن جريدة العلم الناطقة باسم حزب الاستقلال، سبق ونشرت قصيدة شعرية نظمها المهدي بندريس، شقيق “الشهيد” الاستقلالي عبد العزيز بندريس كان عنوانها “رثاء كلب” مباشرة بعد اغتيال بنبركة.
وهي التصريحات التي أخرجت قيادات حزب الاتحاد الاشتراكي عن صمتها، فعلق عبد الهادي خيرات، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على كلام شباط بتصريح شديد اللهجة فقال: “هاداك غير سيكليس كان شام السليسيون ودايخ، وبدا كيخربق وكيقول اللي جات في فمو…”، ووصف خيرات، مدير جريدة “الاتحاد الاشتراكي” حميد شباط بـ”الجاهل والبليد”. (ج.المساء: 16/04/2009).
وإثر ذلك أقدمت الشبيبة الاتحادية على رفع دعوى قضائية ضد “شباط”، الأمر الذي كلفه المثول أمام القضاء، والانتقال من فاس إلى المحكمة الابتدائية بالرباط مرفوقا بجيش من أنصاره احتلوا شارع مدغشقر بالعاصمة الإدارية.
وعرفت قاعة المحاكمة وقتها اشتباكات حادة ومواجهات بالأيدي بين هيئة دفاع شباط ودفاع الشبيبة الاتحادية، وتطور الأمر إلى مطاردات داخل ردهات المحكمة وخارجها، وفق ما نقلته وسائل الإعلام حينها.
كان هذا قبل أربع سنوات، أيام الاقتتال السياسي بين حزب عبد الواحد الراضي وحكومة عباس الفاسي، وقبل فوز حزب العدالة والتنمية بالأغلبية في انتخابات 28 نوفمبر 2011، أما اليوم فالأمور قد اختلفت كثيرا والعلاقة بين الحزبين تطورت في ظل وصول كل من إدريس لشكر وحميد شباط لمنصب الأمين العام لحزبيهما.
إذ أصبحت تراشقات واتهامات الأمس في خبر كان، ولم يعد أي طرف يثيرها أو ينفض عنها الغبار، وأصبح العدو المشترك لكل من “ادريس” و”حميد” هو الحركات الإسلامية والإسلام السياسي كما يصفونه!
فمنذ أن أصبح إدريس لشكر أمينا عاما لحزب الاتحاد الاشتراكي؛ في ظروف مثيرة للجدل أثارت نقاشا حادا وتفرقا كبيرا داخل الصف الاشتراكي، ما فتئ يكرر في كثير من خرجاته الإعلامية ويؤكد على (ضرورة مواجهة التيار المحافظ، والقوى الرجعية، والإسلام الظلامي الذي يعيد طقوس السلف الصالح، والمرجعية الماضوية التي لن تؤدّي بنا إلا إلى الانغلاق والعودة إلى الوراء)!! ومن أجل تحقيق ذلك سعى إلى تكوين قطب يساري حداثي باندماج حزب الاتحاد مع كل من الحزب العمالي والحزب الاشتراكي.
أما “شباط” الذي اعتدنا منه الإسهال اللفظي وإطلاق التهم جزافا، فلم يتأخر بعد توليه قيادة حزب الاستقلال في مهاجمة حزب العدالة والتنمية بدعوى أنه أخطر من “البام”، وأنه يسعى إلى تنفيذ مخطط دولي في المغرب مستمد من الخارج، وأن حزب الاستقلال لن يتضامن مع الخونة الذين يهددون استقرار البلاد.
وشن “شباط” الذي لم يجد مستندا تاريخيا يدين به حزب العدالة التنمية على غرار حزب الاتحاد الاشتراكي، حملة واسعة على شخص رئيس الحكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران، واتهمه بانفصام الشخصية، وبغير المبارك الذي تسبب في الفيضانات التي لحقت بدولة التشيك، وبالمظاهرات التي اندلعت في تركيا، وأنه صنيعة إدريس البصري الذي تحول بقدرة قادر من بائع لـ”جافيل” إلى صاحب مدرسة تعليمية خاصة..
وغيرها من التهم الكثيرة التي واجهها رئيس الحكومة بالصمت وعدم الالتفات إليها، لأنها فعلا لا تستحق الإجابة، عملا بقاعدة: الكبار يناقشون الأفكار والصغار يناقشون الأشخاص.
واليوم اصطف كل من “شباط” و”لشكر” في صف المعارضة وخرجا ببيان يعلنان من خلاله للرأي العام الوطني عن تدشين مرحلة جديدة من التنسيق في أفق بناء معارضة بديلة لحزب العدالة والتنمية على أساس خطاب يواجه “التطرف الديني والمنهج التكفيري والمذاهب الرجعية الدخيلة”، وأنه: “انطلاقا من قراءتهما لما يجري في المنطقة، من خطر تنامي التيارات الرجعية، والشروع في تنفيذ مشاريعها الاستبدادية.. فإنهما سيبذلان كل الجهود من أجل تجميع قوى الحركة الوطنية والديمقراطية، بمختلف مكوناتها، التي تصبو إلى بناء المغرب الديمقراطي الحداثي”.
هكذا جاء في البيان! وكأن الحزبين العتيدين لم يحرزا يوما الأغلبية ويقودا الحكومة، وكأنه لا تاريخ سياسي يشهد على عملهما وصدق ادعائهما، وربما نسي “شباط” أن من بين المطالب الكبرى للشارع بعد وصول رياح الربيع العربي إلى المغرب هو إسقاط حكومة الاستقلال والأحزاب المخزنية التي كلفت البلاد غاليا، وعمقت الفوارق الاجتماعية، ومكنت لسياسة الريع والاحتكار والتسلط على مناصب القرار والتحكم في السلطة.
أكيد أنه يوجد في حزب الاستقلال معارضون لحركة شباط، ومنهم وطنيون تسوؤهم تصريحاته التي تخالف العقل والواقع، وتتنافى ومبادئ الحزب ورجالاته الذين كانوا ذوي مرجعية دينية متينة، لكن يبقى التوجه الجديد لحزب الميزان بقيادة شباط وحلفائه اليساريين براجماتيا بامتياز؛ لا يراعي أخلاقا ولا مصالح البلاد، فهم مستعدون لاستغلال كل الوسائل وسلك كل السبل للوصول إلى أهداف سياسية ضيقة.
وإن كانت المعارضة تؤكد على ضرورة فصل النشاط الدعوي عن العمل السياسي؛ فإننا بالمقابل نراهم لا يتوانون في:
استغلال النفوذ والأعيان والمال والسلطة لأهداف سياسية.
واستغلال خطاب أيديولوجي دخيل لأغراض سياسية.
واستغلال آلام الناس ومعاناتهم لأغراض سياسية.
واستغلال جهل الناس -خاصة في العالم القروي- لأغراض سياسية.
واستغلال قيم كبرى مثل العدالة والحرية والكرامة وحقوق الإنسان لأغراض سياسية.
وتوظيف مطالب المعطلين والمسحوقين لأغراض سياسية.
واستغلال قضية المرأة لأغراض سياسية.
واستغلال الوحدة الترابية لأغراض سياسية.
واستغلال التاريخ والثقافة والفن والاقتصاد لأغراض سياسية…
إنهم يستغلون كل ذلك للوصول إلى أهداف سياسية، وبالمقابل يتهمون غيرهم باستغلال الدعوة إلى الله لأغراض سياسية، وكأنها جريمة!! علما أن بابها مفتوح للجميع وليست حكرا على فئة معينة، بل من الواجب على كل من انتسب إلى الإسلام أن يفرح بانتشارها ويسعى إلى تحقيق ذلك.
وليس المراد من هذه الكلمات الدفاع عن حزب أو حركة أو جماعة معينة، بقدر ما هو محاولة لتسليط الضوء على حقيقة بُعد كثير من الأحزاب عن مرجعية الأمة، وتبنيهم للكثير من المبادئ والأفكار العلمانية المخالفة لصريح الإسلام، والمنكرة للمعلوم من الدين بالضرورة، ودفاعهم عنها وإعلانهم بها وكأنها المطلق الذي يجب قبوله دون نقاش أو جدال.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.