إن القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع لا يمكن أن يتحقق دون تضافر الجهود، فأي حل لا تتكامل فيه مؤسسات المجتمع يعتبر حلا ناقصا، فلا بد من توحيد جهود المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتوعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة، وأولى السبل والاتجاهات التي يمكن اتخاذها كخطة عمل لحل المشكلة يمكن رصدها في النقاط التالية:
– تقوية الحافز الديني لدى المواطنين بما يجعله يفوق الحافز المادي لمنع تضحية الأسر بأبنائهم من أجل الحصول على مكاسب بسيطة ومرحلية وغير دائمة، وتحسيسهم بمسؤوليتهم اتجاه أبنائهم لأنهم مسؤولون أمام الله عن الأمانة التي استرعاهم، قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته” صحيح.
– تفعيل دور التكافل الاجتماعي انطلاقا من مرجعيتنا الإسلامية.
– توفير دُور استقبال وإيواء ورعاية للأطفال المشردين، وتوفير فصول للتعليم والرعاية الصحية.
وفي هذا الصدد فقد حاولت الدولة عن طريق وزارة الدولة المكلفة بالأسرة والطفل والأشخاص المعاقين محاربة ظاهرة أطفال الشوارع، حيث أسست وحدة متنقلة للخدمات الاجتماعية المستعجلة في الدار البيضاء وهي تستهدف أطفال الشوارع أساسا بهدف تعميمها في جميع مدن المملكة، وسيتم تأسيس خمسة مراكز لحماية الأطفال في كل من الدار البيضاء، ومراكش، وطنجة وفاس والعيون.
وزارة الدولة المكلفة بالأسرة والطفل والأشخاص المعاقين ذكرت أن برنامج “إدماج” الذي يدخل في إطار الخطة الوطنية لحماية الطفل (2006-2015) يهدف إلى إعادة إدماج أطفال الشوارع بتركيز عمله في المرحلة الأولى على المدن ذات الكثافة الكبيرة والمتوسطة.
– على الوزارة المعنية أن تتحمل مسؤولية إنشاء ودعم مراكز استقبال الأطفال، وذلك بتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية للأطفال بلا مأوى لجذبهم بعيدًا عن الشارع، توطئة لإعادة إدماجهم في أسرهم، وتدريب الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين.
– على العاملين في حقل إعادة إدماج الأطفال في وضعية صعبة أن يتعاملوا معهم على أساس منظور ينطلق من هويتنا وانتمائنا وديننا، وألا يفسح المجال أمام الجمعيات الغربية التنصيرية والعلمانية التي تعمل جاهدة على استغلال هذه الشريحة وتأطيرها وفق منظور يخدم مصالحها وأهدافها، وإن كنّا واعين بصعوبةِ مثل هذه المواقف المسؤولة نظرا للمرجعية الدولية المؤطرة لقضايا الأسرة والمرأة والطفل والمبنية على أساس علماني مادي.
– تطوير أساليب الاتصال المباشر مع أطفال الشارع وتقديم خدمات الرعاية العاجلة، ومتابعة أسباب انقطاعهم عن التمدرس.
– إنشاء نظام اجتماعي يقوم على تفعيل آلية لرصد الأطفال المعرضين للخطر، والتدخل المبكر لحمايتهم وأسرهم من كافة أشكال العنف والاستغلال، وكذلك حماية الأطفال الذين يتعرضون لعنف داخل المدارس، وضحايا الأسر المفككة والعاملين في سن مبكرة، وفي بيئة عمل غير آمنة.. والذين ينتمون إلى أسر ذات وضع اقتصادي متدنٍ، لأن كل هذه العوامل تؤدي بدورها إلى نزوح الطفل إلى الشارع.
بالإضافة إلى ضرورة تطوير البرامج في بلادنا مثل: مكافحة الفقر وتحسين وضع مكاتب الاستشارات الأسرية، وتفعيل نظام الضمان الاجتماعي، وإنشاء مراكز تأهيل مهني ونفسي واجتماعي للأطفال.
مع ضرورة حماية الأطفال الموجودين في الشارع، والعمل على حمايتهم من الأخطار التي يتعرضون لها، وجذبهم تدريجيًا إلى الرجوع إلى أسرهم أو تشجيعهم على ارتياد المؤسسات الاجتماعية في حالة عدم التمكن من إعادتهم إلى أسرهم.
ـ تفعيل دور الإعلام لرفع الوعي وإثارة الرأي العام بأهمية التصدي للمشكلة في مرحلة مبكرة، وعدم عدّ هؤلاء الأطفال مجرمين، بل ضحايا يستحقون الرعاية أكثر مما يستحقون الإدانة.
– الاهتمام بالطبقات الفقيرة والمهمشة على المستويين الاجتماعي والمادي والدراسي، مما سيحول دون إرسال أبنائها إلى سوق العمل، والصبر إلى حين إتمامهم المرحلة الدراسية، ومن الضروري أن يتم ذلك من خلال أسلوب علمي ممنهج.
– إطلاق النظم السياسية لحرية العمل للمنظمات والجمعيات الخيرية الإسلامية، التي تعمل على إعادة إدماج الأطفال في وضعية صعبة وفق خطة توافق هويتنا وانتماءنا.
– تطوير أساليب وبرامج وسياسات فاعلة بالتعاون بين الوزارة المعنية ومؤسسات المجتمع الأخرى والجمعيات الخيرية بهدف الحد من انتشار الظاهرة، والتعامل المباشر مع أسبابها والعوامل المرتبطة بنموها وتطورها، مع الاستفادة من تجارب دول ومجالس أخرى كتجربة المجلس العربي للطفولة والتنمية، خاصة وأن خبراء المجلس قد أعدُّوا مشروعاً عربياً للتعامل مع ظاهرة “أطفال الشوارع”، فما الذي يمنع الاستفادة من هذه التجربة، خاصة وأنها تجارب دول عربية لها نفس انتمائنا وتشبه بيئتنا.
النصوص الجنائية المغربية تعتبر أن المشردين وأطفال الشوارع هم كذلك أطفال في حالة نزاع مع القانون، وبالتالي تجب معاقبتهم إما بإيداعهم السجن أو مراكز حماية الطفولة، وهو ما من شأنه أن يزيد في تعميق الوضعية السيئة التي يوجد عليها الطفل.
وبالرغم من المجهودات التي تقوم بها بعض الجمعيات للمساعدة في التغلب على ظاهرة أطفال الشوراع والمشردين منهم فإن هذه المجهودات تبقى محدودة في بعض الأحياء ببعض المدن، وهو ما يستوجب من الدولة أن تتحمل مسؤولياتها في هذا المجال عبر معالجة كل أسباب التشرد وعلى رأسها الأوضاع الاجتماعية المأساوية التي يوجد عليها أكثر من خمسة ملايين من المغاربة الموجودين تحت عتبة الفقر.
الوضعية المزرية التي توجد عليها مراكز حماية الطفولة لا تشجع الأطفال المودعين بها على الاستقرار، ذلك أن فضاءات هذه المراكز على قلتها فضاءات كئيبة ومتردية وتنعدم فيها أبسط شروط الحياة الكريمة، ناهيك عن ضعف التكوين والتأطير مما يدفع بالكثير من هؤلاء الأطفال بالفرار من هذه المؤسسات.
جاء في تقرير أعدته الإسيسكو حول: “أسباب الفشل مناهضة التهميش بالدول الإسلامية”، أن المغرب لا يتوفر سوى على مركز واحد لاستقبال الفتيات الموجودات في وضعية نزاع مع “القانون”، وهذا المركز يعرف اكتضاضا مهولا، لا يمكن معه لأي طرف أن يدعي بكون هذا المركز يعمل على تهذيب وإعادة إدماج هؤلاء الأطفال في المجتمع.
كل ما يذكره التقرير عن مجهودات الحكومة للرفع من نسبة التمدرس وتعميمه، تفنذه في الواقع الأرقام المخيفة التي تهدد مستقبل الطفولة ببلادنا، فآخر الإحصائيات الرسمية بالمغرب تتحدث عن وجود 2.500.000 طفل متراوحة أعمارهم ما بين 7 و 15 سنة خارج المدرسة، كما أن الغالبية العظمى من هؤلاء هم إما من أطفال البوادي أو من الأطفال الفقراء الذين غادروا مبكرا المدرسة.
يبقى أن الأطفال هم ركيزة المستقبل، فمجتمع بلا أطفال هو مجتمع بلا مستقبل، فكل قائد كبير كان طفلاً وكل مجرم كان أيضًا طفلاً، والمجتمع الواعي هو الذي يختار الطريق الذي يسلكه طفله والذي يؤدي به في النهاية إلى واحدة من الصورتين السابقتين.
لذلك نطالب بالتعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع من منظور ديني واجتماعي إصلاحي وليس أمنيًا وعقابيًا فحسب.