استفرد اليهود بقطاع غزة، وحاصروه حصار الأوغاد، وأرهبوا النظام المصري حتى لا يفتح معبر الأمل (معبر رفح) بين القطاع المنكوب والدولة التي صارت خادمة للسياسة الصهيونية ضد فصائل الجهاد التي تحمل راية الدفاع عن قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك.
وفي ظل الحصار المضروب على القطاع الذي اختارت سلطته التي أقيلت ظلما الرد على حصار القتل والتجويع وذلك بإطلاق بعض الصواريخ من صنع المقاومة على بعض القرى والمغتصبات (المستوطنات) الصهيونية، شن الكيان الصهيوني حربه الهمجية على سكان غزة بحجة اجتثاث حركة حماس وتوجيه ضربة عسكرية لها قصد تدميرها، وذلك بمباركة وتواطؤ مع الصمت العربي وبعض الأنظمة المتخاذلة.
وقد استعمل الجيش الصهيوني في حربه ضد سكان غزة قوة عسكرية هائلة -حتى أنه استعمل قوات الجيش الاحتياطية- وهو الجيش الأقوى في المنطقة، فبأحدث الأسلحة وأخطرها قانُونِيِّها ومُحَرَّمِها أباد المئات من المواطنين، ودمَّر الآلاف من المنازل، وخرَّب العشرات من المنشآت الحكومية والمرافق العمومية من المدارس والمستشفيات والمساجد والبنيات التحتية..، بل واحتقر القرارات الدولية وهاجم المنشآت الأممية في تحد سافر للعالم الذي يسير في نظام جديد عنوانه الأكبر: “النظام الصهيوني العالمي”، وركناه: “التبعية الغربية، والتواطؤ العربي”..
ورغم بشاعة المجزرة في غزة امتنعت الدول التي يطلق عليها الغرب دول الاعتدال عن المشاركة في قمة غزة بقطر، تلك البشاعة التي اضطرت قادة أوربا إلى الهرولة إلى قمة شرم الشيخ المصرية الطارئة، ليمسحوا بوعود إعادة إعمار ما دمره الصهاينة دماء الأطفال والنساء عن وجوههم، ثم جاء مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية في الكويت ليجمع شتات مشاركة دول الممانعة والاعتدال، وهي القمة التي علق عليها الكثيرون الأمل في الخروج ببيان يحمل قرارات وإجراءات تشرف تطلعات الشعوب المسلمة التي رفعت في وجه الطغيان الصهيوني شعار المقاومة والجهاد والتنديد بالصمت والتواطؤ الغربي والعربي الرسمي..
لكن القمة خيبت آمال مئات الملايين من المسلمين، ويتجلى ذلك في النقاط التالية:
– طغيان الحديث عن الانقسام العربي بدل التركيز على مجزرة غزة -وإن كان هذا الأمر من أوجب الإجراءات التي ينبغي إصلاحها-.
– تغييب فصائل المقاومة التي تملك السلطة في غزة والمؤثرة على مجريات الأمور فيها والاكتفاء بحضور رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية رئاسته، مما جعل أي حديث عن مجزرة غزة ضربا من ذر الرماد في العيون.
– الفشل في اتخاذ القرار بخصوص تسليم أموال المخصصة لإعادة إعمار غزة إلى حركة حماس وباقي الفصائل الإسلامية بصفتها صاحبة السلطة الوحيدة في القطاع، مما يثبت أن الأنظمة العربية لا تملك اتخاذ قرارات تخالف سياسات الصهاينة والغرب الرامية إلى استغلال عملة الإعمار للإطاحة بفصائل سلطة المقاومة..
– إغفال العامل الأساسي الذي جرأ الكيان الصهيوني على عدوانه والمتمثل في استمرار التطبيع الكامل لبعض الدول المجاورة معه رغم خرقه المتكرر لمعاهدات السلام المزعوم.
– التدليس على الرأي العام بإظهار أن المبادرة المصرية هي التي أوقفت العدوان لا المقاومة.
– عدم التنديد بالموقف الأمريكي الداعم بالدبلوماسية والسلاح العدوان الصهيوني.
حيث اكتفى البيان الختامي للقمة بإدانة العدوان الهمجي، وطالب بوقفه والانسحاب الفوري، ورفع الحصار الجائر، كما حمل البيان الكيان الصهيوني المسؤولية القانونية عما ارتكبه من جرائم حرب مع اتخاذ ما يلزم من أجل ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، ثم دعا إلى تقديم كافة أشكال الدعم وإعادة إعمار قطاع غزة، وكذا الدفع من أجل تحقيق مبادرة الوحدة الوطنية للفلسطينيين.
وهذه القرارات التي خرج بها البيان جيدة، لكن المؤتمرين يعلمون يقينا أن تلك الإدانة غير ملزمة لكيان صار هو صانع الشرعية الدولية، وهو الذي يوجه قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة المزعومة..، وأن قطع التطبيع من آكد القرارات التي تحملهم أممهم وشعوبهم مسؤولية ما ينتج عن استمراره من خذلان واستسلام ومجازر..
كما أن تجاوز فصائل المقاومة في معالجة القضية الفلسطينية هو ضرب من السير في نفس الطريق التي جرت الويلات علينا، بعدما بين لنا التاريخ من بعد كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم أن اليهود قوم بهت، لا سلام معهم ولا آمان..
إن معركة غزة جعلت الانتصار على الغاصب الصهيوني وتحرير فلسطين أمرا واقعا، وكسرت جبروت الآلة العسكرية القوية في المنطقة بل في العالم، وبينت أن تبني اختيار المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني هي الحل الذي يجب اتباعه، وأن به خلاص بيت المقدس من دنس اليهود، مع تصفية القلوب من وهن حب الدنيا، والتعلق بالله عز وجل واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، اللذان يعطيان القوة على التحمل والصمود لمواجهة أي محتل مهما بلغ بطش عتاده..
وهذا ما أكده الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي ورئيس الجمعية العالمية للطب النفسي “أن بالإيمان بالله ثم بقدر ما تحتويه النفس من تدين وثقافة يستطيع المرء أن يتحمل الصدمات التي تعتري الحياة”، وأكد أن تلك العوامل هي الأسباب الحقيقية لنصر المقاومة في غزة” (ندوة “الأبعاد النفسية للحرب الصهيونية على غزة”).