ما الذي يحدد مواقف الغرب من النظم العربية..الديمقراطية أم المصلحة؟ نبيل غزال

ظل النظام الغربي لأكثر من 23 سنة يشيد بسياسة ابن علي القمعية؛ ويصف تونس بأنها واحة خضراء ومثال الدولة الديمقراطية الحداثية؛ وبعد ضجر الشعب التونسي وتسخطه ورفضه تحمل مزيد من صور الذل والهوان والحرمان من زبانية ابن علي وأزلامه لزم الغرب أيضا الصمت والحياد طيلة الأسابيع الأربع التي كان النظام التونسي المخلوع يمارس فيها أبشع صور الظلم والطغيان؛ ويسحق العزل فيها سحقا؛ واكتفى الغرب “الديمقراطي”!! بالإدلاء ببعض التصريحات الاستهلاكية؛ ذرا للرماد في العيون، كإعراب كل من فرنسا وأمريكا عن “قلقهما من استخدام القوة غير المتكافئة”؛ و”الإفراط في استخدام العنف الزائد ضد المتظاهرين”.
وبرر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي -الذي صمت دهرا ونطق هدرا- صمت بلاده إزاء قمع نظام بن علي بأنه “كان من منطلق الالتزام بسياسة عدم التدخل في شؤون الدول”!!!
علما أن فرنسا كانت لها مصالح كبرى ترعاها في تونس وتلمع من أجلها صورة ابن علي وتغض الطرف عن كل ما كان يقترفه من ظلم وطغيان ونهب للثروات، فبالإضافة إلى أن تونس سوقا اقتصاديا خصبا فابن علي كان يمثل بالنسبة لفرنسا “حصنا منيعا ضد الإرهاب وضد التطرف الإسلامي”!!!
وبعد فرار ابن علي من تونس تغير الخطاب الغربي تماما؛ ولم تجد باريس وواشنطن أي حرج في إدانة نظام ابن علي ووصفه بـ”الفساد والقمع للحريات”؛ وأعربت الولايات المتحدة عن “تقديرها لشجاعة وتصميم الشعب التونسي وتضحياته الكبيرة التي قدمها في إطار الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي”؛ وأكدت في مقال كتبه سفيرها لدى تونس وقوفها إلى جانب الشعب التونسي في سعيه لتحقيق التحول الديمقراطي.
وبعد الثورة الغضبية التي شهدها بلد الكنانة -مصر- تبرأت أمريكا من نظام مبارك المخلوع وتخلت عن دعمه؛ لأنه لم يعد يمثل بالنسبة لها سوى ورقة محروقة؛ بات من الواجب تغييرها بما يخدم المصالح الأمريكية؛ وحمَّلت واشنطن الحكومة المصرية مسؤولية الأحداث؛ كما جاء على لسان رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، السيناتور جون كيري.
فعمدت الولايات المتحدة إلى سحب مساعداتها العسكرية التي تبلغ حوالي 1.3 مليار دولار سنوياً عن الجيش المصري. تلك المساعدات التي جاءت أعقاب توقيع الرئيس المصري السابق أنور السادات لاتفاقية “كامب ديفيد” للسلام مع رئيس الوزراء الصهيوني مناحيم بيغن سنة 1979م، وأصبحت مصر بموجبها ثاني أكبر دولة تستفيد من المساعدات العسكرية الأمريكية بعد الكيان الإرهابي.
تقلب مواقف الغرب هذه تطرح أكثر من علامة استفهام حول مصداقيته وخطاباته الطويلة عن الديمقراطية ودعمه للحريات خارج حدوده؛ ويعزز الشكوك من ناحية أخرى عن دوره الحقيقي في محاربة الظلم والاستبداد، وفي هذا الإطار يجب لزاما أن نتذكر حديث وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندليزا رايس الذي أقرت فيه أن “بلادها ظلت ولأكثر من خمسين عاما ترجح دعم الاستقرار على حساب الديمقراطية في المنطقة العربية وأنها لم تحصد في النهاية استقرارا ولا ديمقراطية”.
فأمريكا والغرب عموما يريد الحفاظ على مصالحه مع أي نظام كان؛ شريطة أن يكون النظام “ديمقراطيا!”: يخدم مشاريع الغرب ولا يهدد مصالحه؛ ولا يعادي دولة الكيان الصهيوني؛ ويبعد الدين عن كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *