لا يتمارى اثنان ولا يتناطح عنزان في أن ما وقع في الآونة الأخيرة في المغرب العربي عموما وفي الدار البيضاء على وجع الخصوص، من الانفجارات والأعمال التخريبية هي بعيدة كل البعد عن سماحة الإسلام، بل هي أعمال يأباها العقل السليم ويشهد ببطلانها وفسادها الحس والواقع، ولا يخفى كذلك ما لها من مفاسد تعم جميع المستويات، نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال جميع المسلمين، وسأحاول -إن شاء الله- ربط هذه الأعمال بمقاصد الشريعة لنرى مدى فسادها وضررها على المجتمع، فأقول:
من المقرر عند جميع العلماء ومن المستقيم في عقول كل الفقهاء الفهماء أن الشريعة الإسلامية جاءت لجلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها، كما جاءت كذلك لحفظ أمور خمسة معلومة ألا وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وهذه الأمور تسمى عند علماء المقاصد بالضروريات الخمس، أو أمهات المصالح، فمراعاتها وحفظها قد اتفقت عليه الشرائع كلها وليست شريعتنا فحسب، حتى قال أحد العلماء: “حصر المقاصد في هذه الخمسة ثابت بالنظر للواقع وعادات الملل والشرائع بالاستقراء”، ومعنى كون هذه الأشياء ضرورية، هو أنها لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل ستؤول إلى الفساد والتهارج وفوت الحياة، هذا في الدنيا.
أما في الآخرة ففوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين، كما قرر ذلك الإمام الشاطبي رحمه الله.
إذا تقرر هذا فعلى العاقل أن يصرف غاية حذقه في العناية بهذه الضروريات والاهتمام بها وحفظها حتى يسير في حياته على الاستقامة والنجاة، ولا يقع في ضد ذلك، والحفظ لها يكون بأخد أمرين: حفظها من جانب الوجود، وحفظها من جانب العدم، أما حفظها من جانب الوجود فيكون بفعل ما به قيامها وثباتها، وأما مراعاتها من جانب العدم فيكون بترك ما به تنعدم، والأمثلة على ذلك ليس هذا محل بسطها .
إذن فما قام به أولئك الأغمار الذين غرر بهم، وتغمسوا في أوحال الجهل والسفه والطيش، ولا شك أن ما قاموا به طعن في تلك الضروريات في نحرها وهدم لها من أساسها، وهذا مما لا نزاع فيه.
أما من حيث كونها اعتداء على الدين فظاهر بَيِّن، وذلك لأنها أعمال منافية لروح الشرع الحنيف، وفيها كذلك فتح لباب كبير أمام العلمانيين الذين يتربصون بالمومنين الدوائر حيث يجدون في مثل تلك الأعمال متمسكا، فيتسارعون إلى رفع عقيرتهم بالطعن في مبادئ الإسلام وأحكامه، وتسويد جرائدهم بصور لأناس أبرياء لا ناقة لهم في تلك الأعمال ولا جمل وذلك بوضع صورة رجل ملتح أو امرأة منتقبة تحت عنوان يضر الناظرين، مما يفضح خبث سرائرهم ونواياهم، ووضاعة أهدافهم ومبتغاهم.
أما من حيث كونها اعتداء على النفس، فنظرا لما تطفح به أدلة الشرع من نصوص قاضية بحرمة دم المسلم وأنه معصوم الدم، لقول الله عز وجل: “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لن يزال المؤمن في فُسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً” رواه البخاري.
وفيها اعتداء من حيثية أخرى، وهي قتل الإنسان لنفسه فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة” رواه البخاري ومسلم.
وأما من حيث كونها اعتداء على العقل، فهو داخل في قتل النفس بطريق اللزوم، فهذا الذي قتل بغير حق قد يكون صاحب عقل سليم ومستنير، يستثمره فيما ينفع بلده وأمته الإسلامية، فبسفك دمه ظلما تضيع هذه المصلحة والله المستعان، فإذا كان الشارع شرع الحد على من يعطل هذا العقل بالمسكرات لفترة معين، فما بالك بمن يميت هذا العقل أصلا؟
وأما من حيث كونها اعتداء على المال، فغير خاف على أحد أن المال هو عصب الحياة، وهذه الأعمال فيها من الفساد والتبذير وإتلاف المباني وما تحويه من أشياء ما الله أعلم بمقدارها..
أما من حيث كونها اعتداء على النسل، فهو كذلك داخل في الاعتداء على النفس، وذلك لما في قتل النفس من قطع استمرارية النوع البشري من أولئك المجني عليهم، ولا يشك أحد أن الشَّرع رغب في الإنجاب و حث عليه وجعله من أسباب مباهاة النبي الكريم بأمته يوم القيامة بشرط أن يكون هذا النسل صالحا.
وإلى هلم جرا من المفاسد والخسائر التي تنتج من جرّاء هذه الأعمال الإجرامية نسأل الله العلي العظيم أن يلهمنا رشدنا ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله رب العالمين .