عبرت السيدة “هـ.ب” بصراحة وعفوية أن رجال هذا الزمن، إلا القليل منهم، ذئاب لا ينظرون في ظل غياب الخلق والدين إلا إلى لحم المرأة وطريقة الوصول إليه، فإن تقرب منك وتلطف وتودد فلغاية في نفسه، إن هو قضاها ظهر وجهه الحقيقي.
وقالت: رحم الله زمان العز يوم كانت والدتي رحمها الله معززة مكرمة في البيت وخارج البيت، الكل يتعامل معها باحترام، أما اليوم فالكل يستغلك. أقولها لكم بكل صدق لو كفاني زوجي ما خرجت إلى العمل وتركت أبنائي وحدهم في البيت.
عندما رأيت عاملات النظافة يجبن الشوارع ليجمعن قمامات الناس تساءلت مع نفسي قائلا من لهؤلاء النسوة اللائي يعانين في صمت؟ أين الجمعيات النسوية من هؤلاء؟ أين دعاة حقوق الإنسان؟
الكثير منا ينظر لعاملات النظافة بعين الرحمة والشفقة التي تجعلنا نقول كلما رأينا واحدة منهن: مسكينة هذه المرأة ليس مكانها هاهنا، هذا العمل لا يناسبها إطلاقا، أما الجمعيات الحقوقية النسوية فتعتبرها بطلة من البطلات التي استطاعت التَّفوق داخل مجتمعها؟؟؟
وأي تفوق هذا؟ وفي أي قاموس يمكن أن ندرج هذا المفهوم لكلمة التفوق؟
فعاملات النظافة كما ألمح أحد الباحثين لسن نساء عاديات، فهن يعشن الجزء الأكبر من حياتهن في الشوارع، لكن لسن متسولات أو متشردات، فبين قمامة الشارع وأوساخ المارة يتكون راتبهم، هذا هو التفوق فلولا الحاجة ما خرجن لمزاولة مثل هذه الأعمال التي لها تبعات صحية ونفسية على هؤلاء النسوة.
تقول العاملة في النظافة “س.ب”: “أنظف أكثر من 10 كيلومترات يوميا، ونوعية بعض الأزبال تكون خطيرة، وهذا يؤدي إلى إصابتنا بأمراض مختلفة، على مستوى الجلد والبشرة والجهاز التنفسي”.
وتقول العاملة “ث.ك” أنها تخفي حقيقة “مسمى” عملها عن القريبين منها والمُحيطين بها، لأن البعض ما أن يعرف حتى يبدأ بتوجيه سهام النَّقد لها وللرائحة المُنبعثة منها ومن ملابس عملها.. وهي التي يضطرها العَوَز والدَّخل البائس، للنبش أحيانا في القمامات المنزلية لتجميع قطع من الخبز أو أحذية وملابس قديمة أو قنينات زجاجية غير مكسرة أو قطع غيار.
كما أن هناك عاملات نظافة من نوع آخر لا ينبغي تجاهلهن، وهن عاملات نظافة الفنادق والمقاهي والمستشفيات والإدارات العمومية، فإذا تعرضت عاملات نظافة الشوارع للتهكم والاستهزاء والتحرش والاغتصاب وهن يزاولن عملهن في الفضاء فما بلك بعاملات النظافة اللائي يمارسن عملهن في الأماكن المغلقة.
اختارت “آ.م” امرأة في عقدها الثالث هذه المهنة من أجل ضمان لقمة العيش، ووجدت نفسها في الشارع دون عائلة أو مسكن، وهو ما دفعها للعمل كعاملة نظافة بإحدى الفنادق لتضمن المبيت فيه ليلا، مشيرة إلى أنها مجبرة على الانصياع للأوامر مهما كان نوعها..!
الصمت هو ملاذها خوفا من الطرد والفضيحة.. وهو الحل الأنسب للبقاء في العمل على الرغم من تعرضهن للمضايقات من طرف المسؤولين أو بعض الزبائن الذين يتحرشون بهن.
وعبرت “ن.و”، امرأة في عقدها الرابع بنبرة حزينة، أن قساوة العيش دفعتها بعد وفاة والدها إلى إعالة أمها وإخوتها الخمسة، والخروج إلى سوق الشغل كعاملة نظافة في إحدى الفنادق أيضا، وبأجر زهيد، مضيفة بأنها تعرضت للاعتداء الجنسي من طرف أحد الزبائن الذي اغتنم فرصة تنظيفها الغرفة ليغتصبها، وخوفا من الفضيحة تكتمت على الأمر لأن الحق -وفق تصريحها- يعطى دائما للزبون على حساب العامل.
أما “ف.ر”، مطلقة وأم لطفلين، تقول إنها كنادلة في مقهى مجبرة على مسايرة بعض الزبناء خوفا من الطرد، كما أنها تلقت تعليمات بعدم إزعاج الزبائن وتلبية جميع طلباتهم، علما أنها تعمل طوال أيام الأسبوع دون راحة، وهي معرضة يوميا بحكم خروجها المبكر وعودتها المتأخرة إلى البيت، وإقامتها بحي شعبي يعج بالجريمة، للاغتصاب والسطو، هذا كما تقول “ف.ر” دون الحديث عن سوء المعاملة ونظرة الاحتقار التي تطاعها في وجوه كثير من الزبناء يوميا..
وقد أثر في شخصيا تصريح السيدة “هـ.ب” التي عبرت بصراحة وعفوية أن رجال هذا الزمن إلا القليل منهم ذئاب، لا ينظرون في ظل غياب الخلق والدين إلا إلى لحم المرأة وطريقة الوصول إليه، فإن تقرب منك وتلطف وتودد فلغاية في نفسه، إن هو قضاها ظهر وجهه الحقيقي.
وقالت: رحم الله زمان العز يوم كانت والدتي رحمها الله معززة مكرمة في البيت وخارج البيت، الكل يتعامل معها باحترام، أما اليوم فالكل يستغلك.
أقولها لكم بكل صدق لو كفاني زوجي ما خرجت إلى العمل وتركت أبنائي وحدهم في البيت.
فبعد استقصاء أحول عدد من النسوة العاملات في مثل هاته المجالات كانت إجاباتهن موحدة بأن تدني ظروفهن المعيشية والقهر الأسري والمجتمعي هو الدافع الوحيد وراء اختيارهن لهذه المهنة وخروجهن لسوق العمل، ولو أن الرجل كان يقوم بدوره في النفقة وإعالة أفراد الأسرة ما خرجن للعمل إطلاقا.
إنها عينات من نساء المجتمع المغربي اللائي يعانين في صمت، لا أحد يرفع صوته للمناداة بحقهن وكرامتهن، فـ”مولات الزبل” أو “الشطابة في الزنقة” أو نادلة المقهى، امرأة كالنساء إلا أنها مضطهدة؛ يمارس عليها يوميا ألوان من الحيف والظلم والاستغلال البشع مقابل راتب زهيد، وعند الغوص في حياة هاته العينات من النساء اللائي لا يلتفت إليهن إعلاميا وحقوقيا، نجد أن السبب الرئيس وراء معاناتهن هو الاختلال الكبير الذي وقع على مستوى الأسرة، وضعف أو غياب دور الرجل في القيام بواجب الكفالة، والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي لا ترحم، ووراء ذلك كله فكر وافد تروج له أحزاب وجمعيات حقوقية وتسوق لمفهوم مغاير لعلاقة المرأة بالرجل ودور المرأة في التقدم والتنمية.