ذُكر لفظ الفؤاد في آيات كثيرة من القرآن الكريم في علاقته بالقلب في الصفات والمعاني والخصائص ووسائل الصلاح والفساد، فالرابط بين القلب والفؤاد عضوي من جهة ومعنوي من أخرى، ففي السياق الأول نجد أن القلب مضغة معلقة بالفؤاد وجزء منه يشكل عضوا مع باقي الأعضاء المكونة له، «…والقلب: مضغة من الفؤاد معلقة بالنياط…» اللسان: 12/170.
وفي السياق الثاني فالفؤاد أشمل وأعم في معناه من القلب، لأنه يحيط به ويحتضنه، «…والفؤاد: القلب، وقيل: وسطه، وقيل: الفؤاد غشاء القلب، والقلب حبته وسويداؤه…» اللسان: 11/118.
ونجد القلب والفؤاد كلاهما يختصان معا في صفة التقلب على وجه الاتفاق، «وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ» الأنعام: 110، وعن أنس بن مالك قال: «كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يُكثِرُ أن يقولَ: يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ فقلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ آمنَّا بِكَ وبما جئتَ بِهِ فَهل تخافُ علَينا؟ قالَ: نعَم إنَّ القلوبَ بينَ إصبَعَينِ من أصابعِ اللَّهِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ» سنن الترمذي: 2140، كما أن كل واحد منهما قد يحمل صفة مستقلة عن الآخر على وجه الاختصاص، وذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أتاكم أهلُ اليمنِ، هم أرقُّ أفئدةً وألينُ قلوبًا» البخاري: 4388، «…فوصف القلوب بالرقة والأفئدة باللين. وكأن القلب أخص من الفؤاد في الاستعمال…» اللسان: 12/171.
النشأة:
يذكرنا الله تعالى في مواضع متفرقة من القرآن الكريم بما وهب الإنسان من نعم هي أساس حياته وأدوات معيشته وأصل نشأته ومن بينها الفؤاد، «وَهُو الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ» المؤمنون: 78. وفي موضع آخر، «قُلْ هُو الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ» الملك:23، ومسألة النشأة تعتبر خصيصة ربانية وصنعة إلهية لا سبيل لأحد من المخلوقين ادعاء استطاعتها أو زعم امتلاكها، لأنها إبداع خلقي على غير سابق نظير وإيجاد متقن من غير نموذج شبيه.
الفؤاد محل النوايا والمقاصد:
وهو يشترك بذلك مع القلب في هذه الصفة، فهو مكمن غاية الفعل ومنبع الإرادة ومصدر الرغبة خيرها وشرها كما أنه عضو للمساءلة والحساب يوم العرض، «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا» الإسراء:36.
وللفؤاد شؤون وأعمال ووظائف تختلف وتتعدد بين العباد على اختلاف مراتبهم وميزاتهم:
شأن الأنبياء والرسل:
الفؤاد محل الصدق واليقين: وهو وعاء تلقي الوحي الإلهي ومشاهدة المعجزات، يصف لنا القرآن الكريم صور معجزة المعراج وبلوغ سدرة المنتهى، وصدق هذه المعجزة بالحس العضوي والمشاهدة العينية، «فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ» النجم:10-11.
والقلب لا يستثنى من هذه الوظيفة التي اختص الله تعالى بها رسله وأنبياءه، استقبال الوحي واستقراره في هذه المضغة عضو التعقل وأداة التفكر، «وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ» الشعراء:192-195، وما يستقر في قلب الأنبياء والرسل من الوحي الإلهي هو الصدق الذي ينسف كل افتراء والحق الذي يدمغ كل باطل، «قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ» البقرة: 97.
شأن المؤمن:
في الدنيا: أفئدة تستجيب لنداء الفطرة وتلبي دعوة الخير وتتوق لأرض النسك وتشتاق إلى بيئة الطمأنينة والسكينة، وهذا حال المؤمنين الذي أسلموا الروح والفؤاد للباري عز وجل وعظموا شعائره، ووقروا حرماته، «رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» إبراهيم:37.
في الآخرة: التطهير مما خالج القلب من شوائب وما خالط الفؤاد من أدران نعمة ربانية يمن الله تعالى بها على عباده المتقين في جنات النعيم، «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ» الحجر: 45-47، والصدر هنا دال على الفؤاد ومؤشر عليه لأنه مكانه وموضعه.
شأن الكافر:
تقلب الفؤاد بين الخير والشر: ويطرأ على الفؤاد ما يطرأ على القلب من تقلب، كما سبق ذكره، وإن كان الفؤاد مهيئا بالفطرة لتقبل النور الإيماني، إلا أن عماء البصيرة وطغيان النفس وتطاول الحال على الشر، يفسده، «وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ» الأنعام: 110.
إصغاء فؤاد الكافر: للفؤاد منافذ للسمع والإصغاء واستقبال ما يقع عليه من خير أو شر كلما طرق خطب ما أبواب تلك المنافذ، ومن نظائر ذلك ما يقع في فؤاد الكافر من افتراء شياطين الجن والإنس يستتبعه الرضا بذلك ثم ابتداع ما ليس في الدين، «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًاۚ وَلَو شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ» الأنعام: 112-113.
أفئدة لا نفع فيها: لم تُستعمل في الاعتراف بنعم الخالق بالشكر، فجحدت بأنعم الله وأساءت الوظيفة بالنكران والاستهزاء، «وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ» الأحقاف: 26.
بلوغ نار العذاب فؤاد الهماز اللماز: يصور لنا القرآن الكريم مشهدا مؤلما من عذاب الآخرة، الفؤاد نسيج لحمي هش تطاله نار الحطمة، فتلهبه لهيبا وتشويه شيّا، إحساس يبلغ من شدة الآلام أقصاها ويصل إلى درجات العذاب مداها، «كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ» الهمزة: 4-9، «…تأكل النار جميع ما في أجسادهم، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد، خُلقوا خلقا جديدا، فرجعت تأكلهم… وخص الأفئدة لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه…» الجامع لأحكام القرآن: 20/167.
اللهم اجعل أفئدتنا شاكرة لنعمك، متفكرة في ملكوتك، ثابتة على الحق منكرة للباطل.
والحمد لله رب العالمين.