بعد تأييد مجلس الأمن الدولي بغالبية أعضائه قرارا يدين الاستيطان الصهيوني على الأراضي المحتلة عام 1967، بما فيها شرقي القدس، ينشغل الفلسطينيون بإمكانية استثمار هذا القرار في مواجهة دولية قد تفضي إلى محاكمة إسرائيل وتعزز مقاطعتها.
وبينما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن القرار يفتح الباب من أجل المفاوضات والوصول إلى حل الدولتين و”القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين” يعتقد مراقبون أن الأهم هو وضع الأرضية القانونية لمحاكمة إسرائيل بسبب أنشطتها الاستيطانية، وتعزيز مقاطعتها دوليا.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي يوم الاثنين إن “القرار أصبح الآن ملزما لـ المحكمة الجنائية الدولية التي بات بإمكانها فتح تحقيق رسمي في موضوع الاستيطان”.
واعتبر عضو اللجنة المركزية لفتح محمد اشتية القرار اعترافا دوليا بأن الاستيطان لم يعد مقبولا استمراره، مضيفا أمام كوادر الحركة أن القرار يصب في صلب إستراتيجية أقرها المؤتمر السابع لفتح ونصت على تشجيع المقاومة الشعبية وتعزيز المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل.
وقال اشتية إنه ليس نصرا معنويا فحسب، بل هو إشراك للعالم في مراقبة الاستيطان ومكافحته، حيث يتضمن بندا يوجب تقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا دوريا لمجلس الأمن حول الاستيطان، حيث كشف اشتية عن نية الفلسطينيين تشكيل فريق لتوثيق مصادرة الأراضي والبناء الاستيطاني والسيطرة على مصادر المياه.
ورغم وقوع القرار تحت البند السادس وليس السابع، أي أنه لا يحمل أدوات تنفيذ ملزمة، قال اشتية إنه سيمكن الفلسطينيين من تفعيل المقاطعة الدولية، كما يشجع على حث الدول الأوروبية على اتخاذ إجراءات بحق حملة جنسياتها من المستوطنين اليهود لوجودهم على أراض فلسطينية غير شرعية.
تراجع أمريكي
بالمقابل، ورغم اعتباره القرار خطوة محدودة التأثير إذا لم تتبع بخطة تحرك فلسطينية فعلية، رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت أحمد العزم أن القرار تراجع هام بالسياسة الأميركية التي تعهدت منذ مطلع الثمانينيات برئاسة جيمي كارتر لإسرائيل بمنع معالجة الموضوع الفلسطيني بشكل يتضمن أية إشارة للقدس في مجلس الأمن والأمم المتحدة.
وقال العزم إن دعم الرباعية الدولية للقرار يعني أن العالم لم يعد يسير بالمقاييس الإسرائيلية الأميركية بالضرورة. وبالمقابل فإن تزامن صدور القرار مع مجيء الرئيس المنتخب دونالد ترمب ومؤتمر “فتح” يعني أن هناك مرحلة جديدة قادمة، تتطلب انتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد، وفق رأيه.
أما الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي فقال إن القرار أعاد تأكيد المجتمع الدولي على اعتبار الأراضي الفلسطينية بما فيها “القدس الشرقية” أراضي محتلة، مما ينسف المساعي الإسرائيلية المستمرة إلى تغيير الواقع السياسي والديمغرافي للقدس.
وأضاف أن القرار يعيد التأكيد على أن أساس العملية السياسية هو الاعتراف بالأراضي التي استولت عليها إسرائيل بعد حرب 1967 كأراضٍ محتلة، مما يستوجب تدخل المجتمع الدولي لتطبيق هذا الاعتراف عمليا، وهو أيضا يتطلب وفق رأيه مواصلة الفلسطينيين “هجومهم السياسي” بالأمم المتحدة ومؤسساتها، ووضع قواعد جديدة لأية عملية سياسية مع الإسرائيليين تنطلق برعاية أممية.
ساس قانوني
وبدوره، رأى الخبير القانوني جورج جقمان أن القرار يعطي أساسا قانونيا للفلسطينيين في تقديمهم للشكاوى عبر السلطة أو المؤسسات الأهلية ضد الاستيطان إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه يتساءل عن قدرة القيادة الفلسطينية على الاستفادة من القرار، أم أنها سترجئ ذلك لعدم توفر الإرادة السياسية أو للضغوط الدولية، كما حدث سابقا مع تقرير غولدستون الخاص بالتحقيق في العدوان على غزة.
ورغم ذلك، يرى جقمان أن خيارات السلطة أفضل حاليا بالنظر إلى اليأس من إمكانية التوصل إلى حل سياسي مع إسرائيل، مضيفا أن هذا “اليأس” كان أحد أسباب التصويت الدولي لصالح القرار.
واعتبر جقمان أن القرار سيعطي دفعة قوية لمقاطعة إسرائيل دوليا وخاصة الدول التي تنشط فيها حركات المقاطعة، حيث يتوقع الإسرائيليون فعلا أن تقوم عدة بلدان بتشديد القيود على بضائع المستوطنات.