يزداد ألم المسلمين وأسفهم يوماً بعد يوم على الحال التي آل إليه المسجد الأقصى من تسلط اليهود المجرمين عليه وانتهاكهم لحرمته واعتدائهم على قدسيته ومكانته وارتكابهم فيه ومع أهله أنواعاً كثيرة من التعديات والإجرام.
والمسجد الأقصى مسجد عظيم مبارك له مكانة عالية في نفوس المؤمنين ومنزلة رفيعة في قلوبهم، فهو مسجد قد خص في الكتاب والسنة بميزات كثيرة وخصائص عديدة وفضائل جمة تدل على رفيع مكانته وعظيم قدره.
فمن فضائل المسجد الأقصى أنه أحد المساجد الثلاثة المفضلة التي لا يجوز شد الرِّحال بنية التعبُّد إلا إليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى)[1].
ومن فضائله أنه ثاني مسجد وضع في الأرض، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) قَالَ قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى)، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ)[2].
ومن فضائله أنه قبلة المسلمين الأولى قبل نسخ القبلة وتحويلها إلى الكعبة، فعن البراء رضي الله عنه قال: (صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ -أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ- شَهْرًا ثُمَّ صَرَفَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ)[3].
ومن فضائله أنه مسجد في أرض مباركة، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:1]. وقد قيل: لو لم تكن لهذا المسجد إلا هذه الفضيلة لكانت كافية.
وأرضه هي أرض المحشر والمنشر، فعن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قَالَ: (أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ…)[4].
ومن فضائله أنه مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه عُرج به إلى السماء، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ)[5].
ومن فضائله أن الصلاة فيه تضاعف، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ لَا يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ (هو الحبل) فَرَسِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا -أَوْ قَالَ: خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا-)[6].
وهذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، حيث بيَّن ما سيؤول إليه المسجد الأقصى مع تعلُّق قلوب المسلمين به وأن مؤامرات الأعداء على المسجد الأقصى ستزداد، حتى إن المؤمن ليتمنى أن يكون له موضع صغير يطلُّ منه على المسجد الأقصى ويكون ذلك أحبَّ إليه من الدنيا وما فيها.
ومن فضائله ما ورد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ)[7].
يجب علينا أن ندرك أن عدوان اليهود على المسجد الأقصى وعلى أرض فلسطين وعلى المسلمين في فلسطين ليس مجرد نزاع على أرض، وأن ندرك أن قضية فلسطين قضيةٌ إسلامية يجب أن يُأرِّق أمرُها بال كل مسلم، ففلسطين بلد الأنبياء، وفيها ثالث المساجد الثلاثة المعظمة، وهي مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها قبلة المسلمين الأولى، وليس لأحد فيها حقٌّ إلا الإسلام وأهله، و﴿الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف:128].
ويجب علينا -عباد الله- أن ندرك أن تغلُّب هذه الشرذمة المرذولة والفئة المخذولة وتسلّطهم على المسلمين إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي وإعراض كثير من المسلمين عن دينهم الذي هو سبب عزهم وفلاحهم ورفعتهم في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى:30]، فلابد من عودة صادقة وأوبة حميدة إلى الله جلّ وعلا، فيها تصحيح للإيمان وصلة بالرحمن، وحفاظٌ على الطاعة والإحسان، وبُعدٌ وحذر من الفسوق والعصيان؛ لينال المؤمنون بذلك العزّ والتمكين والنصر والتأييد.
وعليكم عباد الله بالصدق مع الله تبارك وتعالى في الدّعاء، فإن المؤمن في كل أحواله وجميع شؤونه في شدته ورخائه، وسرّائه وضرائه، لا مفزع له إلا إلى الله، ولا ملجأ له إلا إلى ربِّه وسيده ومولاه، يتوجه إليه بالدعاء والأمل والرجاء.
فيا إلهنا إليك المشتكى وأنت حسيبنا، يا من يجيب المضطر إذا دعاه، ويجبر الكسير إذا ناداه، ويفرِّج هم المهموم إذا ذلَّ له ورجاه، إلهنا وسيدنا ومولانا إن اليهود تسلّطوا على أرض فلسطين، وعلى المسجد الأقصى العظيم، وعلى إخواننا المسلمين في فلسطين قتلاً وتشريدا، وعلى مسجدنا الأقصى وبيوتهم هدماً وتخريبا، وعلى حرمته وحرماتهم هتكاً وإفسادا، فكم من بيوت هُدِّمت وكم من أعراض هتكت، وكم من نساء رُمِّلن، وكم من دماء أريقت، وكم من أطفال يُتِّموا.
لقد تفاقم من اليهود الطغيان وتزايد السطو والإجرام وعظم الجبروت والعدوان، إلهنا يا من النصر والعز منه يستمنح، يا من أبوابه وخزائنه لمن دعاه تُفتح، يا مزلزل عروش الظالمين، يا قاصم ظهور الجبارين، يا مبطل كيد المجرمين.
اللهم عليك باليهود المعتدين، اللهم عليك باليهود المعتدين، اللهم عليك باليهود المعتدين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم اجعل عليهم دائرةَ السوء إله الحق يا رجاؤنا وأملنا ويا سيدنا ومولانا، اللهم لا تردنا خائبين، اللهم أجب دعاءنا وحقق رجاءنا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمّر أعداء الدين.