ذمّ التكفير من غير موجب من خلال بيان مفهوم مصطلح “أهل التوحيد”  في كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري (2) عمر خويا

 

مصطلح “أهل التوحيد” مركب إضافي من كلمتين “أهل” و”التوحيد” ونقف قليلا عند هاتين الكلمتين حتى يسهل لنا القول في المركب اللفظي بعد ذلك.

قال الراغب الأصفهاني: «أهل الرجل هم من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد»[i] . وأهل التوحيد هم من يجمعهم فعل التوحيد، وهو توحيد الله تعالى.

أما التوحيد فهو مصدر على وزن “تفعيل” من فعل “وحّد” مضعف العين، وتضعيفه يفيد التكثير والمبالغة كما في الأفعال الثلاثية المضعّفة العين. «وَحَّدَهُ تَوْحِيداً: جعله واحدا»[ii]، و«الواو والحاء والدال أصل واحد يدل على الانفراد»[iii]، وأي صيغة بنيت على هذا الأصل دلت على هذا المعنى.

فألفاظ: وحّد وأحّد وتوحّد وأوحد واستوحد، وواحد وأحد وموحد، ووحدة ووحدانية، كلها في معنى  الإفراد والانفراد والتفرّد. وتَثبُت الصلة بين لفظ التوحيد ولفظ الوحدانية لاشتراكهما في الجذر اللغوي وفي الدلالة، واسما الله تعالى الواحد والأحد يجتمعان في صفة الوحدانية، والوحدانية تفيد تفرد الله عز وجل بصفات الكمال، أما التوحيد فهو إفراد المكلف الله تعالى بما هو أهله، وهو المفهوم من استعمالات اللفظ في نصوص الإبانة. بل وجعله الأشعري ضد الإلحاد الذي هو العدول عن وصف ربنا سبحانه بالكمال.

وقرن الأشعري في نصّه السابق بين أهل التوحيد والمتمسّكين بالإيمان. وأيّا كان ما بينهما من عموم وخصوص فإنهما مشمولان بالحكم المفهوم من السّياق، وهو وجوب الاعتقاد بأن الفريقين وإن كانا مذنبين أو كانا من الأبرار أهل الصلاح فإنّ الجزم بدخولهم الجنّة أو النّار يُرجع فيه إلى من شهد له الوحي بذلك. فالمطيع ذاته وإن كان متمسكا بالإيمان لا يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى، كما نطق به حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «لن يُدْخِلَ أحدًا عملُه الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:« لا، ولا أنا إلا أن تغمدني الله بفضل ورحمة»[iv].

وأهل التوحيد بطبيعة الحال هم الذين أعلنوا إسلامهم ولم يبدر منهم ما يخرجهم عن الملة ويدخلهم في الكفر، كإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، من ذلك ما وصفه أبو الحسن الأشعري بقوله: «ونقول: إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبهها مستحلاّ لها غير معتقد لتحريمها كان كافرا»[v]. أمّا من كثرت معاصيه، وإن كانت من الكبائر دون الكفر والشرك العقدي، فهو فاجر يظله الإسلام، ويصلي عليه المسلمون إذا مات، قال الأشعري: «وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة، برّهم وفاجرهم، وتوارثهم»[vi]. ونحن هنا نحتاج إلى بيان الصلة بين أهل التوحيد وأهل القبلة ليتّضح الحكم، لكن سنرجئ البيان إلى حين بيان معنى أهل التوحيد في الاستعمال النبوي الذي وضح أن أبا الحسن الأشعري اعتمده في قوله.

——————————————

[i]– الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد. المفردات في غريب القرآن، 1412ﻫ، ص96.

[ii]– الفيروزآبادي، أبو طاهر محمد بن يعقوب. القاموس المحيط، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي، ج1، ص414.                                                                            

[iii]– ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس. معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ج6، ص90.

[iv]– البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، كتاب المرضى، باب تمنّي المريض الموت، رقم الحديث: 5673، ج7، ص121.

[v]– الإبانة، المرجع نفسه، المجلد الثاني، ص26.

[vi]– الإبانة، المرجع نفسه، المجلد الثاني، ص32.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *