القناة الثانية 2M عشرون سنة من التغريب والعلمنة إبراهيم الوزاني

مرت عشرون سنة على إنشاء القناة الثانية (1987م) التي بدأت مشوارها الإعلامي بعرض فيلم الجوهرة الخضراء الذي تضمن مشاهد جنسية تنبئ بأن هذه القناة جاءت لهدف معين ستحدد طبيعته التطورات التي ستعرفها برامجها، فبعد 8 سنوات من إنشائها، مرت القناة سنة 1997م إلى البث بالواضح بعد أن كانت تبث برامجها بالمرموز، واتسع مجال تغطيتها ليشمل كل المدن المغربية، ثم لتنتقل بعد ذلك إلى مرحلة البث المستمر 24/24 ساعة.
فهل كانت القناة الثانية في مستوى خدمة تطلعات المغاربة؟
تعتبر القناة الثانية في المغرب القناة المفرنسة التي يغيب فيها الخطاب العربي متجاهلة ملايين المشاهدين المغاربة الذين لا يفهمون اللغة الفرنسية، ورغم علم القائمين عليها بهذه الحقيقة يفضلون أن تعمل القناة وفق خط تحريري يخدم التيار الفرانكفوني الذي يهيمن على الحياة الثقافية عند الكثيرين ممن يشتغلون بالقناة مما يزيد من هيمنة اللوبي الفرنسي الاقتصادي المدعوم من طرف بلاده على الاقتصاد الوطني..
لا شك أن عشرين سنة من عمل القناة الثانية سيكون فيه الكثير من الأمور التي بثت وهي تصف وتخدم بعض حاجيات المغاربة، لكن الخط الذي تسير عليه القناة لا يخدم سياسة الإصلاح التي انخرط فيها المغرب، حيث نجد القناة غائبة عن تغطية الكثير من القضايا التي يعيشها المغاربة..
لقد عملت القناة الثانية عبر بث المئات من الأفلام والعشرات من المسلسلات الدرامية (خصوصا المكسيكية..) على نشر القيم والأخلاق الفاسدة، ونشر ثقافة الانحلال والتفسخ الأخلاقي بشتى أنواعه وصوره، فالكثير من صور التفلت الأخلاقي لم يعرفها المجتمع المغربي إلا بعد بداية بث هذه الأفلام المخربة للأخلاق، والتي تحكي واقعا غربيا منحلا من كل القيم، واقعا علمانيا منسلخا من كل قيد شرعي في تقديس للحرية الفردية..
فصور التبرج العاري، وانتشار العلاقات المحرمة، والشذوذ والسحاق، والتحاق النساء بأماكن الفجور الذكوري، وارتفاع حجم السياحة الجنسية..، وصور أخرى لم تظهر إلا بعد هذا التفتح الإعلامي الأعمى الذي يحركه اللوبي الفرانكفوني واليهودي المسيطر على الإعلام العالمي..
وفي المقابل تعمل القناة الثانية على تناول القضايا الشرعية بخلفية علمانية، طابعها وصبغتها الاقصاء والازدراء والاحتقار والاستهزاء، وكنموذج على ذلك:
التعاطي مع فريضة الحجاب على أنه مسألة شخصية وممارسة اجتماعية، لا علاقة له بالتشريع الإسلامي، في مغالطة تامة مع الأدلة الشرعية، وأقوال العلماء، والمذهب المالكي الذي ارتضى المغاربة التزامه، هذا من جهة تفريغ حمولته الدينية..
ومن جهة أخرى يتم التحامل على المحجبات والتضييق عليهن ابتداء من العاملات في القناة، كالمذيعة الإخبارية التي لبست الحجاب فحجبت عن منصة تقديم الأخبار، أو إتاحة المجال لمن يستهين به ويحتقر أمره، كما يوصف بأنه استيلاب لحرية المرأة -ولو كانت على اقتناع كامل بارتدائه-، أو أنه إرهاب ذكوري يمارسه الرجال على النساء..
لقد عملت القناة الثانية عبر برامجها والخط التحريري الذي ارتضته على تغريب فكر شريحة مهمة من المجتمع المغربي، وذلك عبر تصوير التمدن الغربي وكأنه الحلم الذي ينبغي تحقيقه وهو ما يتجلى ظاهرا في برامج القناة وحواراتها وضيوفها..، وكذلك لتبنيها كسر الطابوهات التي كان المجتمع المغربي يتحفظ عن الحديث عنها من باب الحياء وليس التواطؤ، وعلى رأس ذلك طابو الجنس الذي اعتبر القائمون على القناة تكسيره فتحا وتحررا كبيرين، وما هو في الحقيقة إلا قلة حياء، وتشجيع للجنس المتسيب والحرام في كثير من الصور التي أصبحت حاضرة في المجتمع المغربي
فمساهمة القناة الثانية في تكسير الصمت حول العديد من القضايا المرتبطة بالجنس لم تزد الانحلال الأخلاقي إلا انتشارا، حيث بلغ درجة التطبيع والتواطؤ المعلن فاقت بكثير ما كان عليه الأمر قبل تبني الإعلام خوض معركة الإصلاح الوهمية، والتي هي في حقيقتها إشاعة للفاحشة وتوجيه لسلوك المواطنين بما يتوافق مع قناعات العلمانيين المهيمنين على القطاع السمعي البصري..
إن اهتمام القناة الثانية وإعدادها لبرامج عديدة تناقض الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي للمغاربة، جعلها بعيدة عن خدمة تطلعات المغاربة ولم يوصلها للمستوى المرغوب فيه من طرفهم، حيث يتم إبعاد الخطاب الديني المصلح لشأن المغاربة كمسلمين، والخطاب المجتمعي الحر المعبر عن آلام ومآسي النسيج المجتمعي المغربي، ومن شواهد ذلك:
– تغييب العلماء عن مناقشة القضايا والمشاكل الوطنية..
– غياب التغطية لأحداث هامة في تاريخ المجتمع المغربي كـ:
* أحداث صفرو، وأحداث القصر الكبير، وأحداث سيدي إيفني..
* عدم تصوير معاناة المغاربة الذين يقطنون فيما يسمى بالمغرب غير النافع..
* عدم تغطية الفضائح التي يكون وراءها مسئولون كبار..
* الازدواجية في التعامل مع القضايا، كغياب التغطية لقضية إغلاق دور القرآن..
وقد كتب أحد محرريها كما جاء في موقع القناة واصفا مجهوداتها: “فطيلة العشرين سنة، خلقت القناة الثانية التميز من خلال الأفلام السينمائية، البرامج الوثائقية، الأفلام التلفزية، برامج المنوعات، الرياضة، التحقيقات، البرامج الحوارية… وكانت دائما قريبة من المواطنين… نتوقف عند هذه التجربة، ونقوم بتقييم لعقدين من الزمن من خلال شهادات لخبراء، مختصين، حقوقيين وسياسيين”.
هذا التقريظ والمديح لا يستند على حقائق ثابتة في الواقع، بل هو نوع من المغالطة التي ألفها معدو برامج القناة، وإذا أردنا أن نفسر عبارات هذا المديح على ضوء الحقيقة فنقول:
* الأفلام السينمائية: التي تشجع على الجنس، والقبل والعلاقات غير الشرعية..
* الأفلام التلفزية (المغربية): التي تصرف فيها الدولة ملايين الدراهم، وعند بثها تخيب ظن القائمين عليها قبل المواطنين..
* برامج المنوعات: كـ”استوديو دوزيم” الذي تنفق فيه الأموال الكثيرة من أجل تفتق المواهب الغنائية عند الشباب، وكأن الشباب المغربي لا يجيد غير الغناء وهز الأكتاف والأرداف وإظهار الصدور (الرقص والغناء..)..
* وكانت دائما قريبة من المواطنين: وهل مواطنو صفرو وسيدي إيفني وأنفكو وجبال الأطلس والريف ليسو بمواطنين حسب القناة الثانية حتى تكون قريبة منهم..؟ إلا إذا كان المقصود بالمواطنين الجالية الفرنسية وتلاميذ البعثات الأجنبية الناطقة بالفرنسية، والمستغربين من المغاربة..
* ونقوم بتقييم لعقدين من الزمن من خلال شهادات لخبراء، مختصين، حقوقيين وسياسيين: أين علماء الدين من هذا التقييم؟ نظن أن السؤال عن العلماء وتقييمهم لعمل القناة الثانية غير ذي موضوع، ما دامت وسائل الإعلام لا تعير وزنا لأحكام الشريعة الإسلامية ولا لمقومات الهوية.
إن المتتبع للقناة الثانية ليظن أن هذه القناة تبث من دولة لا علاقة لها بالعروبة والإسلام حيث لا تتورع في كثير من برامجها من الطعن فيهما، والحقيقة أن القائمين عليها مقلدون للقنوات الفرنسية لاهثين وراء تحقيق أكبر نسبة من المشاهدة ولو عن طريق بث أفلام تركز على العري ومشاهد الإغراء.
إن إحراز أي تطور مهني على مستوى الإعلام في مجتمع مسلم كالمغرب لن يتسنى إلا بمعالجة القضايا التي تهم المواطنين وتخدم طموحاتهم من خلال برامج تتجنب خدش ضمائرهم، فالذين يتوهمون أن المغاربة سيعكفون على متابعة القنوات الوطنية لمجرد بث مواد تخاطب الغرائز وتثيرها مخطئون لأن الفضائيات متنوعة برامجها وتتبارى في الإغراء والإثارة. لذا يبقى الرهان على مخاطبة العقول والقلوب الحية من خلال برامج تستجيب لهذا التطور الاجتماعي نحو الالتزام بتعاليم الدين والعفاف هو السبيل الأوحد نحو الرفع من مستوى المشاهدة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *