تتوالى الموجات الهجومية التي تروم التشكيك في شخص وعلم الإمام البخاري، أحد أهم علماء الحديث في التاريخ الإسلامي، بحيث يتناوب مجموعة من الأشخاص بخلفيات اجتماعية وثقافية وسياسية وإعلامية مختلفة بالهجوم على هذا العلم الإسلامي، لكن يجمعها موقف سياسي متقارب يدور في فلك مدعوم من دول بعينها.
كما تشارك في هذا الهجوم الشرس مؤسسات ثقافية بتمويل مشبوه كمؤسسة “مؤمنون بلا حدود” التي تعتبر أهم حلقات ما يسمى بالجناح التنويري في المؤسسات الثقافية الإماراتية، ومؤسسات دينية طرقية وأهمها “مجلس حكماء المسلمين” ومؤسسة طابة ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة وغيرها من المؤسسات.
فلماذا هذا الهجوم التشكيكي في البخاري وكتابه؟
بالنظر إلى الجيل الحالي نجده مبعدا عن الأحاديث النبوية، بل عن التدين بطرق ممنهجة، فلا المدارس تعطي السنّة الشريفة حقها، ولا الإعلام يقوم بدوره في خدمة سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل هو مهتم بنشر التفاهة والإسفاف، ما يسبب انفصالا بين هذا الجيل من المسلمين وبين السنة، الأمر الذي جعل المهاجمين للسنة المطهرة أكثر جسارة وشراسة وصفاقة ممن سبقهم، جاعلين التشكيك في صحيح البخاري، الشجرة التي تغطي غابة السنة، ومن بعدها التطاول على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وكلام رب العزة القرآن الكريم.
من هنا تظهر خسة هذا التطاول والهجوم على الإمام البخاري رحمه الله، باعتبار أن كتابه يتربع على رأس كتب السنة وعلم الحديث، وقطع صلة الأمة به، إنما هو قطع للوسيلة التي بها يفهم المسلمون قرآنهم ودينهم بشكل عام، الأمر الذي ينشر التوهان والحيرة بين جمهور المسلمين، الذين تحاصرهم الشبهات والشهوات، وتحاصرهم مجموعة من الأفكار والمعتقدات التغريبية والتشكيكية والإلحادية، بطريقة ممنهجة ووفق خطط مدروسة.
وهم يشككون في البخاري لأنه جمع أصح الأحاديث واشترط الصحة فيما جمعه، ولو شككوا فيما جمعه سيسهل عليهم التشكيك في غيره ممن لم يشترط الصحة، فالذين يهاجمون كتاب صحيح البخاري، سيأتون غدا لصحيح مسلم، ثم للسنن الأربعة ثم إلى غيرها… وهكذا ستصبح السنة النبوية والأحاديث الشريفة مشككاً فيها، وقابلة للطعن، فالهدف ليس صحيح البخاري وإنما محاولة لهز قيمة مصدر من مصادر الدين والتشريع.
والذي ينبغي فهمه أن الإمام البخاري رحمه لم يستيقظ ذات صباح ليجلس في مكتبه أو في مقهى أو في أي مكان كان ليحتسي كوبا من القهوة، أو مشروبا آخر ويتأمل في السماء ممسكا قلما وورقات يخط عليها ما يخترع وما تمليه عليه بنات أفكاره من أحاديث ويجمعها في كتابه الصحيح، بل الإمام البخاري رحمه الله جمع الأحاديث التي اتفق على صحتها أهل العلم في عصره من فطاحلة الرواة والمحدثين، بعبقرية غير مسبوقة في الانتقاء وحسن التبويب، مع الوضع في كتاب مختصر ليبيِّن للناس أصح ما عُرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنن وآداب.
والذي يميز هؤلاء الشرذمة الذين يهاجمون الإمام رحمه الله، أنهم لم يُعرف عنهم الاهتمام بالحديث ولا المحدثين ولا السنّة النبوية عموما، ولهذا يُستبعد توصلهم بالفعل إلى هذه الشبهات التي ينشرونها بعد بحث وتمحيص ودراسات العلمية للإمام ومنهجه وكتبه، بل يكون المهاجم منهم غير معروف وليست له صلة بهذا العلم لا من قريب ولا من بعيد، ولا يعرف شيئاً عن الإمام البخاري، وفي صباح ما يصير متخصصا ودارسا، وما هذا إلا لتبرير شهوته في هذا النقد وهذا الطعن.